كيف يمكن لشركتك أن تستمر وتزدهر رغم الركود؟

تشير التوقعات لعام من التحديات لأصحاب الأعمال التجارية، نتيجة الأزمات الاقتصادية الحالية. كصاحب شركة، أنت بحاجة للاستعداد جيدًا للصمود خلال هذه الفترة، واتخاذ قرارات جديدة بشأن كيفية إدارة أعمالك، والاعتماد على استراتيجيات مغايرة لقيادة شركتك. إذًا كيف تَعبُر من الأزمة بل وتزدهر أعمالك رغم الركود المتوقع؟

جدول المحتويات:

رحلة الانتقال إلى عقلية المدير التنفيذي وقت الحرب

في عام 2014 نشر رائد الأعمال «بين هوروويتز» مؤسس شركة Opsware، التي استحوذت عليها شركة HP في عام 2007، كتابه «الشيء الصعب عن الأشياء الصعبة». يتميز هذا الكتاب بأنّه يخبرك مقدمًا بعدم وجود عمل مثالي مهما كان الأمر، لا لأنّه يبرر الأخطاء التي يرتكبها أصحاب الأعمال التجارية، ولكن لأنّه يركّز على تقديم منهج عملي لإدارة الفترات الصعبة، التي لا تسهل إدارتها بالمنهجيات المعتادة.

يقدم «بين» في كتابه مفهومين هما: المدير التنفيذي وقت السلام Peacetime CEO والمدير التنفيذي وقت الحرب Wartime CEO. وقت السلام حيث استقرار السوق والهدوء، وتركيز أصحاب الشركات على التوسع وزيادة الحصة السوقية. أمّا وقت الحرب فهو عندما تواجه الشركات تحديات شديدة تؤثر على بقائها، إمّا من المنافسين، أو من السوق وتقلباته.

منذ سنوات عديدة ربما لم يشهد العالم تحدياتٍ اقتصادية مثل التي يتوقع مواجهتها هذا العام، فمثلًا في استطلاع رأي صدر يوم 18 يناير، توقع خبراء الاقتصاد من صحيفة وول ستريت جورنال أنّ نسبة الركود ستصل إلى 61% خلال العام الجاري.

لذا، على ما يبدو الآن هو الوقت المناسب للانتقال لعقلية المدير التنفيذي وقت الحرب، حيث لا خطط طويلة المدى، ولكن الاستعداد الدائم لمواجهة كل جديد، ومراقبة كل التغيرات أولًا بأول، والاستعداد لاتخاذ قرارات استباقية دائمًا، تواكب هذه التغيرات قبل تفاقم آثارها على عملك.

في أثناء رحلة الانتقال إلى عقلية المدير التنفيذي وقت الحرب، توجد 5 جوانب أساسية لا بد من التركيز عليها، وإدارتها معًا في الوقت نفسه. هذه الجوانب هي: منهجيتك في إدارة شركتك، أموالك، قيمتك المضافة، عملائك الحاليين، فريق عملك.

1. الطريق إلى البر: كيف تقود شركتك وسط أمواج الركود؟

في هذه المرحلة لا توجد منهجيات ثابتة، ولا قرارات موحدة لكل موقف، وما نجح في الماضي، ليس ضروريًا أن يفعل ذلك الآن، فالوقت الحالي يحتاج لتبني عقلية البقاء التي ستساعدك على البقاء وسط التقلبات. من أهم القرارات التي من شأنها مساعدتك على قيادة شركتك الآن:

أعِد ترتيب أولوياتك للفترة القادمة

فيما يتعلق بالشركات الناشئة، فدائمًا ما يُطرح السؤال عن الاستراتيجية أفضل؛ هل هي النمو أم الربحية؟ المعضلة هنا أنّه لا يمكن طرح الاثنان معًا كخيار واحد، لأن المقصود هو معدلات النمو غير المسبوقة، التي تكلف كثيرًا جدًا. على سبيل المثال، تشتهر شركة أوبر كنموذج لاستراتيجية النمو، فالشركة التي بدأت أعمالها في عام 2009، لم تصل إلى الربحية المستدامة حتى الآن، نتيجة سعيها الدائم للتوسع في جميع أنحاء العالم.

في الوطن العربي تمتلك شركة سويفل منهج مشابه لأوبر عالميًا، إذ ركزت الشركة على النمو كأولوية في بدايتها. لكن مع بداية التحديات الاقتصادية العام الماضي، غيّرت الشركة من منهجيتها نحو الربحية، وهذا ما صرّح به «مصطفى قنديل» مؤسس الشركة قائلًا: «نحن نعلم أنه يتعين علينا اتخاذ قرارات صعبة لإعطاء الأولوية للربحية على حساب النمو، لضمان ازدهار الشركة».

لذا، عندما يتعلق الأمر بفترات الركود، فأنت بحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات شركتك مرة أخرى، والتركيز على الربحية كأولوية، فهذا ما يضمن للعمل التجاري الاستمرارية في الفترات الصعبة، ويوفّر له التدفق النقدي الذي يحتاج إليه. يتضمن ذلك تعديل نموذج العمل، والاعتماد على أفضل القنوات والمصادر التي تحقق الدخل، والاستغناء عن الخيارات الأخرى الأقل في الفاعلية.

التحول الرقمي ضرورة ملحة

هل التركيز على الربحية يعني عدم السعي إلى النمو؟ يأتي هنا دور التحول الرقمي الذي يساعد على تحقيق التوسع والنمو غير المكلف. فقد لا تحتاج إلى دفع أموال كثيرة لتحقيقه، بل على العكس، يترتب عليه فرص أكبر لتحقيق إيرادات أعلى. يمكن تحقيق التحول الرقمي كليًا بإدارة كل شيء يتعلق بعملك رقميًا، أو جزئيًا بالتحول في بعض المهام المحددة فقط. من أشهر صور التحول الرقمي:

  • التحول في طريقة البيع: إنشاء موقع أو متجر إلكتروني لإتمام عمليات البيع والشراء من خلاله.
  • التحول في طريقة التسويق: الاعتماد على التسويق الرقمي كالتسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور المستهدف.

استثمر في التقنية

الاستثمار في التقنية أمر ضروري للتعامل مع الأزمات الاقتصادية، إذ تتميز تطبيقات التقنية بأنّها تزيد من فاعلية الأداء، وتمكّنك من التوسع في تنفيذ المهام، وكل ذلك مع توفير في التكاليف التي تنفقها. فمثلًا بالاعتماد على الأتمتة في التسويق، كأدوات التسويق عبر البريد الإلكتروني، التي تزيد من تواصلك مع العملاء، دون الاضطرار لتوظيف أشخاص لفعل ذلك.

من أهم تطبيقات التقنية التي يمكنك استخدامها هي التي تساهم في تعزيز الإنتاجية بعملك التجاري، كأدوات إدارة المشاريع التي تُستخدم في تنظيم المهام وتوزيعها مثل أداة أنا، وبرامج خدمة العملاء التي تسهّل عليك خدمة عملائك وتقديم دعم احترافي لهم مثل برنامج زيتون.

فعّل تفويض المهام

يمنحك تفويض المهام ميزتين أساسيتين؛ الأولى هي الحصول على حلول فعّالة أقل في تكلفتها من الحلول التقليدية، الثانية هي التركيز على المهام الأكثر أهمية التي تحتاج وجودك كصاحب عمل تجاري، بينما تُسند المهام الأخرى للكفاءات المناسبة لها.

يمكنك تفويض المهام بطرق مختلفة، في مقدمتها توظيف المستقلين، الذي يعزز من إنتاجية الفريق، ويسهّل إنجاز المهام المتراكمة في وقتٍ سريع، ويمكّنك من تفويض الكثير من المسؤوليات دون الحاجة للتوظيف الدائم. أما فيما يتعلق بالمهام السريعة غير المتكررة التي ترغب في تنفيذها بسرعة وبتكلفة زهيدة نوعًا ما، فيمكنك الاعتماد على الخدمات المصغرة.

2. قوة السيولة: أدِر إنفاقك بحذر

لا يمكن التنبؤ بسهولة بمسار الأسواق في أوقات الأزمات، ولا التغيرات التي قد تصيب شركتك خلال هذه الفترة. هنا تأتي قوة السيولة ووفرة الأموال، مع حرصك على إدارة إنفاقك بحذر، والسعي لتوفير الإنفاق كلّما توفرت فرصة لذلك. تأكد من متابعة كل تقاريرك المالية دوريًا، وتدخل لاتخاذ قرارات تصحيحية سريعة. لضمان توفر السيولة يمكنك اتّباع الاستراتيجيات التالية:

حافظ على تدفق نقدي جيد

ولّي أهمية دائمة للحفاظ على السيولة والتدفق النقدي الجيد لعملك التجاري، لضمان عدم التعثر ماليًا، ووجود سيولة كافية في جميع الأوقات. لفعل ذلك لا بد من تقييم الأوضاع والتوقعات المالية جيدًا، واتخاذ القرارات بناءً على نتائج التقييم. من أهم النصائح لتوفير سيولة أكثر داخل الشركة:

  1. راجع قائمة نفقاتك، واستغني عن النفقات غير الضرورية بالنسبة لك في الوقت الحالي.
  2. ابحث عن خيارات أقل في التكلفة، وتُحقق لك الكفاءة ذاتها. مثلًا إذا تستخدم أداة معينة في عملك، ابحث عن البدائل المتوفرة لها، أو اقبل بخصائص أقل في الأداة لتوفير المال.
  3. حدد أولوياتك في دفع النفقات، ولا تدفع كل تكاليفك في الوقت ذاته، بل ابحث عن خيارات تتيح لك تأجيل دفع بعض التكاليف.
  4. حاول تحصيل أموالك من العملاء أولًا بأول؛ كلّما أتيح لك ذلك.

ابحث عن أفضل استراتيجيات خفض التكاليف

إذا كنت تنشد الربحية، فلا يعني ذلك فقط المزيد من الإيرادات، لكن أيضًا خفض التكاليف. يقصر البعض استراتيجيات خفض التكاليف على تسريح الموظفين، كما فعلت الكثير من الشركات مؤخرًا. لكن توجد استراتيجيات متنوعة يمكن الاستفادة منها، كتقليل التكاليف التشغيلية والاتّجاه لإدارة العمل عن بعد، أو الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ بعض المهام الأساسية.

الشيء الجيد في التحول للعمل عن بعد هو أنّه يساعد على توفير النفقات، ويخلق حالة من الرضا والولاء لدى الموظفين الذين يشعرون بالتوازن بين العمل والحياة الشخصية، ويحافظون على عطائهم المستمر للشركة. يؤدي ذلك أيضًا إلى جذب كفاءات خارجية مهتمة بالعمل مع الشركة.

مثلًا تتبع شركة Dropbox منهجًا لإدارة العمل عن بعد اسمه Virtual First. يتيح للموظفين العمل عن بعد، مع هيكلة مكان الشركة ليقتصر فقط على مساحة للتجمعات من حين لآخر، والاستغناء عن أي معدات أخرى. في منتصف عام 2022، أشارت الإحصاءات أنّ ما يزيد عن 75% من الموظفين يشعرون بأنّهم أكثر إنتاجية، ويملكون توازنًا بين العمل والحياة.

من ناحية أخرى وبعد إطلاق هذا النظام، زادت طلبات التقديم على الوظائف في الشركة الضعف تقريبًا، مع تصريح حوالي 90% من المتقدمين أنّ النظام هو ما جذبهم للتقديم على العمل، حسب ما شاركت به «ميلاني كولينز» كبيرة مسؤولي الموظفين بالشركة CPO، وهي بالمناسبة أحد أكثر أفراد الشركة ولاءً لها في ظل هذا البرنامج، وهي المدير التنفيذي الوحيد الذي يعيش خارج ولاية كاليفورنيا، حيث مقر الشركة في مدينة سان فرانسيسكو.

3. تأكد من امتلاك ميزة حقيقية في منتجك

كشف استطلاع رأي أجرته شركة Numerator عن قرار ما يزيد من 57% من المستهلكين بتوفير المزيد من الأموال خلال العام الحالي 2023، سواءٌ بتتبع الإنفاق بدقة أكبر، أو حتى التخلّي عن بعض النفقات غير الضرورية. يوضح الاستطلاع أنّ 60% من المستهلكين يضعون أهدافًا مالية للعام الحالي، لاعتقادهم بالأثر السلبي من التضخم وارتفاع الأسعار، بينما يخشى 48% من الركود المحتمل.

يمكن لهذه النسب منحك رؤية عن قرارات العملاء المحتملة، ومفاضلتهم بين خيارات الشراء بتركيز أكبر لتقليل إنفاقهم، والمتوقع في النهاية إبقائهم على المنتجات التي تمنحهم قيمة حقيقية. لذا، تأكد من وجود ميزة قوية في منتجك موجّهة لعملاء يحتاجونها فعلًا.

يمكنك البدء أولًا بتحليل السوق لفهم وتقدير أولويات العملاء خلال الفترة الحالية، مع البقاء على اطلاع بكل جديد يحدث من حولك، وفهم كيف يؤثر ذلك على قرارات عملائك. إذا تطلب الأمر تواصل مع عملائك لفهم أثر الظروف الحالية عليهم.

كنتيجة لهذه الخطوات، ستتأكد من فهمك الكامل لاحتياجات عملائك وتطلعاتهم ونقاط الألم التي يعانون منها، ثم إعادة تطوير منتجك للتركيز على هذه الاحتياجات. أخيرًا، حلل شرائح العملاء المستهدفين جيدًا، واحرص على تطوير منتجك ليلائم أكثر هذه الفئات تحقيقًا للدخل في عملك، لتضمن تحقيق الإيرادات باستمرار.

4. استثمر في عملائك الحاليين

لا يخفى عليك أنّ تكلفة الحصول على عملاء جدد أعلى خمس مرات من تكلفة الحفاظ على العملاء الحاليين. يعني ذلك أنّه لديك فرصة جيدة لخفض تكاليفك بالاستثمار في عملائك الحاليين. في الوقت ذاته، وجودهم والاهتمام بهم يعني فرصة لتحقيق الدخل بصورة دائمة.

لذا، اهتم بتقديم خدمة عملاء احترافية، وتواصل مع عملائك في مرحلة ما بعد البيع لضمان رضاهم عن عملك. احرص كذلك على تقديم عروض مميزة لعملائك الحاليين، لإقناعهم بإجراء المزيد من عمليات الشراء. تشمل هذه العروض خصومات مصممة خصيصًا لهم، أو إنشاء برامج الولاء التي يحصدون فيها نقاطًا على عمليات الشراء، ويمكنهم الاستفادة منها بالحصول على هدايا أو عروض في المقابل.

اجعل هدفك الأساسي هو تحويل عملائك إلى مدافعين عن علامتك التجارية، إذ سيجعلهم ذلك يوصّون بك لعملاء آخرين من شبكة علاقاتهم، فتحصل على عملاء جدد بتكلفة منعدمة تقريبًا. الميزة أنّ عملاءك الجدد يثقون في آراء عملائك الحاليين، ويكونون أكثر اطمئنانًا لإجراء عمليات شراء فعلية منك.

5. فريق العمل: درعك الحصين في مواجهة الأزمة

تلعب الكوادر البشرية دورًا مهمًا في عبور الأزمات الاقتصادية، ومواجهة التحديات المختلفة؛ باقتراح أفكار جديدة للشركة، وتنفيذ المهام المطلوبة باحترافية. لذا، احرص على اقتناص المواهب الفريدة بالاعتماد على التوظيف عن بعد عبر موقع بعيد، الذي يمكّنك من الوصول لمواهب عابرة للقارات، واستقطاب الكفاءات من مواقع جغرافية مختلفة، لا فقط من مكان عملك.

أيضًا، يمكنك البحث وراء عمليات تسريح الموظفين التي حدثت بالشركات في الفترات الماضية، للوصول لأفضل الكفاءات التي استغنت عنها هذه الشركات، ومحاولة توظيفها لديك للاستفادة من إمكانياتهم وخبراتهم في تحسين عملك.

من المهم أيضًا الحرص على تطوير مهارات موظفيك، لمواكبة التغيرات المستمرة في العمل والسوق من حولك. فكلما استثمرت في تطوير مهارات الموظفين، حصلت على كفاءة أعلى في الأداء، وكذلك ازداد ولاءهم لشركتك؛ نتيجة حرصك على تطور مهاراتهم للأفضل.

ركّز عملية التطوير على فرص تحسين الأداء وسد الثغرات، بتحليل احتياجات فريق العمل وتحديد أنسب الآليات للتطوير. حسّن أهم المهارات الضرورية لكل قسم في الهيكل الوظيفي لشركتك. مثلًا احرص على تعزيز مهارات فريق التطوير لديك عبر مختلف دورات أكاديمية حسوب، التي ستثقل مهاراتهم في العمل، بما يعود عليك بالنفع والتطوير في عملك التجاري.

أخيرًا: لا تهمل التسويق

مهما كانت رحلتك صعبة في تطوير عملك، فهي لن تكتمل سوى بالتسويق الجيد لشركتك. لذا، لا تهمل التسويق كعنصر مهم لمواجهة الأزمات الاقتصادية. بالطبع ستحتاج للتفكير في أنسب الاستراتيجيات التسويقية غير المكلفة التي تلائمك. من أمثلة هذه الأفكار:

  • التسويق بالمحتوى بمختلف طرقه، كعمل مدونة، أو بدء بودكاست، أو تصوير فيديوهات بتكلفة قليلة. المهم هو الحرص على تقديم قيمة حقيقية لعملائك من التسويق بالمحتوى.
  • الانضمام للمجتمعات الرقمية المختلفة التي يمكنك الاستفادة منها مثل حسوب I/O.
  • التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل مع جمهورك.
  • استخدام خدمة جوجل نشاطي التجاري، للوصول للعملاء المحتملين المتواجدين في النطاق الجغرافي لعملك.

ختامًا، رحلة البقاء والنمو في وسط الأزمات ليست سهلة. لذا تسلّح بالعقلية المناسبة، ونفّذ الاستراتيجيات التي تلائم شركتك، واجعل مبدأك الأساسي في تنفيذها هو الحصول على أقصى فاعلية بأقل تكلفة، وراجع تدفقك النقدي باستمرار، لتدعم محاولاتك بالسيولة اللازمة. ولا تنسَ أنّه في كل محنة توجد منحة، فكل ما عليك فعله هو التفكير في المنحة المناسبة لعملك.

تم النشر في: نصائح ريادية