كيف تتفوق على منافسيك في السوق

تتفوق شركة آبل (التي تبلغ قيمتها السوقية ما يزيد عن 146 مليار دولار) على المنافسين الرئيسيين لها، إذ تأتي في المرتبة الثانية مباشرةً بعد أمازون في قائمة Brand Finance الشركة الاستشارية المتخصصة في العلامات التجارية التي أعلنت عن ترتيبها لأشهر العلامات التجارية في العالم عام 2018. تأتي آبل في المرتبة الثانية بعد أمازون، وفي المرتبة الأولى في قائمة منافسيها الرئيسين دون أن تلحقها مباشرةً أي من الشركات المنافسة من مُصنعي أجهزة الكمبيوتر أو مصنعي الهواتف الذكية، وبذلك تحتل ترتيب قائمة أشهر الشركات التقنية التي تصنّع في المقام الأول الهواتف وأجهزة الكمبيوتر.

تُعد شركة آبل واحدة من الشركات الأكثر شهرة وشعبية في جميع أنحاء العالم، فمنتجاتها ظلّت مرادفة للابتكار والتصميم الأنيق والفخامة لعقودٍ طويلة، بالرغم من أن آبل تواجه منافسة متزايدة وقوية من طرف العديد من الشركات، إلا أن فلسفة «ستيف جوبز» في مجال التنافس (أفضل طريقة للتغلب على المنافسين هي عدم منافستهم) قد مكّنت شركة آبل دومًا من تصدر قوائم أكبر الشركات من حيث القيمة السوقية، وأشهر شركات التقنية، وغيرها باستمرار.

في نظريات التسويق، يتم التعامل مع السوق على اعتباره بحيرة مليئة بالأسماك، وفي الواقع يمثل ذلك تشبيهًا بليغًا، ربما يقدم لكل رائد أعمال (حتى المبتدئين) فكرة وافية وممتعة عن معطيات العمل، لذلك يمكنك تخيّل ذاتك صيادًا يجلس على شاطئ البحيرة، وتنوي اصطياد السمك أو العملاء المحتملين، فما هو المكان الأمثل للصيد والطريقة المناسبة لرمي الشباك، وما هو نوع السمك الذي تبحث عنه؟ إن كنت ترغب في أن تتحول إلى صياد محنك تتمكن من المنافسة في سوق العمل وتحقق التفوق على منافسيك، إليك كيف تفعلها.

كيفية التغلب على المنافسين في سوق العمل

1. قم بالإعداد للمعركة

أول خطوة للنجاح في تحقيق التفوق على المنافسين هي وضع خطة واضحة لذلك، فإذا أعددت خطة مدروسة، ستكون قادرًا على التنبؤ بتغيّرات السوق واغتنام جميع الفرص التي من شأنها أن تحقق لك التفوق، يمكنك أيضًا بفضل الخطة العملية الجيدة أن تصنع هذه الفرص بنفسك. عندما تقرر تأسيس شركة ناشئة في مجال ما، عليك أن تقوم بتقييم موقع الشركة التنافسي وتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي تتعرض لها من خلال إجراء تحليل السوات الرباعي – SWOT Analysis.

ومن الضروري أن تتعرف على السوق (البحيرة التي تنوي الاصطياد بها) من خلال إجراء أبحاث السوق، هل هناك منافسون أم أنك تجلس وحيدًا على الشاطئ، إذا وجدت أن السوق خال من المنافسة، فعليك معرفة السبب، ربما تكون هذه البحيرة خالية من الأسماك وستُهِدر وقتك في العمل عليها. وبالتالي عند دراسة السوق، عليك أن تفكر في شكل المنافسة، إذا انعدمت تمامًا فهذه علامة خطر وتحذير تستوجب منك إعادة التفكير في مجال عملك أو جمهورك المستهدف، وإذا كان السوق مزدحمًا بشكل كبير يمثل ذلك أيضًا علامة غير جيدة لأنك سوف تقاتل من أجل الفوز بالقليل من السمك.

الحالة الوحيدة المسموح فيها باختيار شاطئ خالٍ من الصيادين، هي عندما ترى السمك بعينيك، وتعلم أن الجميع مشغول بالصيد في مكانٍ آخر، أو بالأحرى إذا كنت تمتلك فكرة مبدعة ومبتكرة يحتاجها السوق ولكن لم يُنفذها أحد، كما فعل «إيلون ماسك» مؤسس شركة تيسلا لإنتاج السيارات الكهربائية الآمنة وأول من أنشأ شركة خاصة للسفر إلى الفضاء، أو حتى في إطار الأفكار البسيطة التي لم ينتبه إليها أحد من قبل على غرار الماصة المرنة (الشاليموه) التي اخترعها «جوزيف فريدمان» في الثلاثينيات من القرن الماضي ولاقت رواجًا لسهولة استخدامها، مما أتاح شرب السوائل بشكلٍ مريح، ومن ثم انتشرت في المقاهي والمطاعم.

عندما تجمع المعلومات والبيانات اللازمة وتعرف تضاريس الأعمال والمنافسة ستكون على استعداد لصياغة خطة محكمة لمعركة رابحة، وستتمكن من تحديد كيفية التفوق على المنافسين في السوق. يتضمن الإعداد الصحيح أيضًا التعرف على العملاء الحاليين والمحتملين والاعتناء بهم، لتتمكن من تقديم خدمة أفضل ولتكون أكثر استجابة لاحتياجاتهم وتوقعاتهم، وتقديم قيمة كبيرة يقدرها العملاء.

2. استهدف عملائك بذكاء

عندما تقرر تأسيس شركتك الناشئة عليك تحديد جمهورك من جهة الكمية والكيفية، هل السوق الذي تطرح فيه منتجك أو خدمتك، لديه شريحة كبيرة من العملاء المستهدفين، مما يوفر لك فرص تسويقية قوية أم أن عدد السمك محدود للغاية وبالتالي لن تحقق العائد المادي المرجو؟ بعد التعرف على الجمهور المستهدف من حيث الكم، عليك معرفة خصائص ومواصفات المستهلكين أو المستخدمين وأعمارهم واهتماماتهم وأماكنهم، وقبل كل شيء هل يحتاجون منتجك بالفعل؟

عندما تحدد هذه الأمور سيصبح من السهل تنفيذ خطتك واختيار القنوات التسويقية الأنسب للتفوق، والتي قد تمزج بين وسائل التسويق التقليدية مثل: آليات الدعاية والإعلان في الصحافة والراديو والتلفزيون، أو في أماكن التجمعات مثل: النوادي ووكالات العلاقات العامة إلى جانب وسائل الإعلام الحديثة. وفي الألفية الثالثة، يلعب التسويق الإلكتروني دورًا هائلًا في انتشار المنتجات ومخاطبة العملاء المستهدفين باستخدام محتوى مميز مدعوم بالصور ومقاطع الفيديو واستغلال المؤثرين على مواقع التواصل، مما يخلق مجتمعات رقمية مهتمة بالخدمة أو العلامة.

وبجانب الإعلام الاجتماعي نجد الإعلان الرقمي عبر شراء مساحات إعلانية على المواقع، وهناك التسويق عبر البريد الإلكتروني إذ يتم إرسال نشرات أو محتويات إعلانية إلى مجموعة من العناوين البريدية المستهدفة، وهذه الوسائل التسويقية الحديثة تمكّنك من التحليل السريع لسلوك المستهلك وردود فعل المستخدمين تجاه منتجك وحملتك، لكي تتعرف هل تسير على الطريق الصحيح أم تحتاج إلى تعديل منهجك، وبالتالي تبني تصور مبدئي حول الأرباح.

3. فكر بطريقة مختلفة عن منافسيك

كُن مُختلفًا بشكل مختلف

إذا كان عملك وما تقدمه أو حتى إعلاناتك عبارة عن أفكار مستنسخة عن منافسيك، فلا يمكنك أن تذهب بعيدًا، أو أن تحقق النجاح ولا حتى التفوق في السوق. من الضروري إعطاء العملاء أسبابًا وجيهة للتوجه إليك وليس إلى منافسيك. التميز عن منافسيك أمر مهم لنجاح شركتك، تدرك أغلب الشركات هذا المفهوم، ولكن شركات قليلة تُطبقه. لتحقق التفوق ينبغي عليك تقديم خدمة استثنائية لا يمكن الحصول عليها في أي مكان آخر، وهذا ليس كاف، ينبغي أيضًا الترويج لذلك التفوق على نطاق واسع، وخلال المقال سنتطرق إلى بعض الاستراتيجيات التي تساعدك في التعامل مع سوق مليء بالمنافسة من أجل تحقيق أهدافك والتفوق على المنافسين.

4. حافظ على التفوق

حافظ على التفوق - المنافسة في سوق العمل

اشتعلت الحرب بين كوكا كولا وبيبسي عام 1975 عندما أطلقت بيبسي تحدي التذوق الأعمى «Pepsi Challenge»، أخذ التحدي في الأصل شكل اختبار أعمى للطعم في مراكز التسوق وغيرها من الأماكن العامة، حيث يضع ممثل شركة بيبسي طاولة مع كأسين أبيضين أحدهما يحتوي على بيبسي والآخر على مشروب كوكاكولا، يتم تشجيع المتسوقين على تذوق كلا المشروبين، ثم اختيار الشراب الذي يفضلونه، ثم يكشف المندوب عن القنينتين بحيث يمكن للذّواق رؤية ما إذا كان قد اختار كوكاكولا أو بيبسي، أسفرت نتائج الاختبار نحو إجماع على أن مشروب بيبسي كان يفضله المزيد من الأمريكيين.

شكّل تحدي بيبسي نقطة تحول في حرب الكولا، بين كل من كوكاكولا مع غريمتها، لتقوم كوكاكولا بإعادة صياغة الكولا الخاصة بها وإطلاق «نيو كوك» والذي كانت كارثة مطلقة، فاستفادت مبيعات بيبسي من حادث «كوكاكولا» الجديد لبعض الوقت، ولكن بعد ذلك بدأت بيبسي في ارتكاب الأخطاء من تلقاء نفسها، بعد سلسلة من المشاكل والفضائح التسويقية، من أهمها عثور العملاء على حقن في علب الصودا الخاصة بالعلامة التجارية في أكثر من 20 ولاية، خلقت التقارير التي انهالت على قنوات الأخبار الوطنية بسرعة، حالة من الذعر بين العملاء، إضافةً إلى عديد من المشاكل الأخرى التي تسببت في تراجع أرباح شركة بيبسي لصالح كوكا كولا. لذلك فإن الخطوة التالية الأهم بعد التفوق على المنافسين، هي أن تحافظ على انتصاراتك، ربما تفوز بالمعركة ولكن الأهم أن تحافظ على حالة التفوق الدائم وأن تفوز بالحرب.

كيفية السيطرة على سوق العمل

تقديم أعلى جودة

المنتج أو الخدمة الخاصة بك هي الطُعم الذي يجلب السمك، وكلما كان جذابًا ومناسبًا، سينجح في جذب عدد أكبر من المستهلكين. لذلك ابدأ بمنتجك واجعله استثنائيًا، كما أن جودة هذا المنتج ستؤثر على استمرارية علامتك التجارية، مما يضمن لك النجاح على المدى الطويل، وولاء أكبر من العملاء، وهذه الاستراتيجية تحتاج إلى نفس طويل، ولكنها مضمونة في الغالب.

بعد انتشار سلسلة «ماكدونالدز» في 31 دولة، أصر «راي كروك» (مؤسس العلامة العالمية) على توحيد طعم البرغر ومستوى الخدمة، رافضًا خفض التكاليف في أي دولة رغم المنافسة الشرسة، وبالفعل ربما خسر كروك بعض المال على المستوى القصير، لكنه ضمن ولاء عملائه وبات عملاقًا في مجاله، ومن المؤكد أنه قد حقق أرباحًا هائلة.

إضافة مزايا جديدة

بما أنك تصطاد في سوق مليء بالمنافسة، عليك تجربة المنتجات والخدمات ومقارنتها، ثم محاولة استخدام التفكير النقدي، أي التفكير فيما ينقص كل منتج، ومحاولة سد هذه الفجوات في مشروعك، وإضافة مميزات جديدة لمنتجك لا تتواجد لدى المنافسين وبأقل التكاليف، حتى تظل أسعارك معقولة.

ويمكنك الاستلهام من سياسات التسويقية لبعض شركات المقرمشات وصناعة رقائق البطاطس المقلية، والتي تحاول التغلب على المنافسة الشرسة بإضافة نكهات جديدة قريبة من الذوق العربي مثل الزعتر والزبدة والكمون، أو تقديم المنتج باعتباره صحيًا ويناسب الجميع ولا يزيد الوزن، وفي هذه الاستراتيجية عليك التركيز على طرق إعلام وإخبار الجمهور بهذه الجوانب الفريدة التي تميز منتجك عن باقي المنتجات المنافسة تبعًا لخصائص المستهلكين.

عام 1997 أطلقت شركة آبل حملتها التاريخية «فكر بطريقة مختلفة» (Think different)، وقد تبنّت الشركة هذا الشعار على نطاق واسع كرد على شعار شركة IBM الذي أطلقته أولًا تحت عنوان: «Think»، في ذلك الوقت كانت آبل تعيش أزمة خانقة، وانخفضت حصتها في سوق الكمبيوتر من ذروة بلغت 14% عام 1993 إلى أقل من 3% بعد أربع سنوات، كانت الشركة تصارع الموت حرفيًا.

استُخدمت الحملة في الإعلانات التلفزيونية، والإعلانات المطبوعة المتعددة، وغيرها. وقد توقف استخدام آبل للشعار في عام 2002، ولكن تلك الحملة أضحت واحدة من الإعلانات التجارية التي لعبت دورًا محوريًا في مساعدة شركة آبل على تحقيق واحدة من أعظم التحولات في تاريخ الأعمال. لا تُظهر الحملة تفرد آبل، وجاهزيتها لتقديم ميزات فريدة، بل تشجع أيضًا موظفيها على التفكير بطريقة مختلفة، وتبثُّ الروح ذاتها في عملائها، وهو ما يبقيها دائمًا في قمة مستواها.

إضفاء الطابع الشخصي

عندما تنافس في سوق مليء بالعلامات التجارية المعروفة، ستضمن لك هذه الاستراتيجية التفوق، لأن العلامات التجارية الضخمة تعمل عادة على نطاق واسع وشرائح تسويقية متنوعة، أو غير متجانسة، مما يجعل من الصعب عليها تكييف منتجاتها وتخصيصها لتناسب أذواق الجميع.

بينما الشركات الناشئة، يمكنها محاولة إرضاء الأذواق الفردية، مما يُشِعر المستهلك أن هذا المنتج مخصص له، فمثلًا عند دخول سوق تتواجد به علامات تجارية عالمية في مجال الأزياء الرياضية، تستطيع إنتاج ملابس بمقاسات كبيرة لا تركز عليها هذه الشركات الكبرى.

تطوير المنتج مع التجربة

من أهم طرق إرضاء العملاء هي سياسة خدمة ما بعد البيع، أو تحسين الخدمة أو المنتج، عبر الإنصات لشكاوى المستخدمين والعمل على تفاديها، على غرار تجربة أوبر التي دخلت سوق سيارات الأجرة، وحاولت تقديم مزايا جديدة، وتستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي في التواصل مع العملاء، لتحسين الخدمات بعد التجربة حتى أحدثت الشركة ثورة في صناعة النقل، وأيضًا الشركة العملاقة آبل التي تحاول دائمًا تقديم منتجات مبتكرة وإعادة تطويرها بعد التجربة.

الشفافية

يقدر العملاء الشفافية والمصداقية، وعندما تحاول اقتحام مجال تجاري تكتنفه السرية، ساعد الجمهور في اكتشاف خبايا الصناعة عندها ستتفوق على المنافسين. عندما تفتتح مطعمًا يمكنك السماح للعملاء بدخول المطبخ وحضور عملية الطهي، مما يشعر العملاء بالمتعة، وأنهم قد استطاعوا معرفة «سر الطبخة»، ومن المؤكد أنك يجب أن تكون ذكيًا وحذرًا حتى تحافظ على تميزك.

الخصومات والعروض

هي طريقة تقليدية لكنها مجدية جدًا، لذلك فكر بالطرق التي قد تزيد من تفاعل الزبائن مع منتجك مثل الخصومات والعروض الترويجية، منها شراء منتج والحصول على الآخر هدية أو المسابقات، كل هذه الوسائل ستجعلك تتقدم خطوة على منافسيك، وبخاصةٍ إذا أدركت جيدًا صفات عملائك واهتماماتهم، مثل شركات النقل الجماعي سويفل، وأوبر التي تتيح لك خدمات مجانية عند تجربة خدماتها للمرة الأولى، وتغازل جمهورها بشكلٍ يتناسب مع خصائصه التسويقية.

احتضان السوق الرقمي والمحلي معًا

شبكة الإنترنت تتيح لك إقامة علاقة فردية مع كل عميل يطرق بابك الإلكتروني، وتقدم لك سوقًا واسعًا لا يقف أمامه البعد المكاني أو الزمني، مما يساعدك في الوصول إلى جمهور متنوع، والاستفادة من شبكة الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أهمية السوق الرقمي، لا تنس أن المجتمع المحلي قد يقدم لك مزايا عديدة، ولا تدع حقيقة أنك شركة رقمية، يمكن الوصول إليها من أي مكان في العالم، تتسبب في حدوث مسافة بينك وبين عملائك المحليين.

ختامًا، التفوق على المنافسين في السوق يعتمد على العديد من الاستراتيجيات أهمها أن تستمع إلى عملائك، لأنهم سيساعدونك في معرفة ما يريدون وفي تحسين أعمالك على المدى البعيد، كن على استعداد لاستخدام آليات الدفاع عن علامتك التجارية ومنتجاتك في حال واجهتك أي مشاكل من طرف منافسيك، واكتشف أفكار أو مفاهيم جديدة أو عدّل على الأفكار والمفاهيم الحالية، قدّم رؤى مبتكرة، لا يمكن نسخها بسهولة من المنافسين وتعلّم أن تكون قائدًا في مجال عملك لا تابعًا.

تم النشر في: مشاريع ناشئة