مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال

لم يعد غريبًا الفترة الماضية أن تجد شخصًا في دائرة معارفك يقرر ترك وظيفته لإنشاء شركة ناشئة خاصة به، ربما تكون أنت هذا الشخص، الآن أو في المستقبل. لكن في الوقت نفسه توجد مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال، تؤثر على بعض رواد الأعمال العرب، وتجعلهم في الكثير من الأحيان يضيّعون فرص للنجاح دون إدراكهم لذلك.

في الحقيقة، بدء عمل تجاري خاص ودخول عالم الأعمال هو حلم يسعى إليه الكثيرون، فأن تعمل لصالحك وتتاح لك الفرصة لتحقيق الكثير من الأرباح، هو طموح جيد. لكن من المهم التعرف على المفاهيم الخاطئة التي شكلت تصوراتنا عن عالم الأعمال، ربما بسبب التعريف الخاطئ لريادة الأعمال والظن بأنها مقتصرة فقط على خلق فكرة جديدة من الصفر، ولا شيء آخر. فهل هذا هو مفهوم ريادة الأعمال حقًا؟

4 مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال

إذا سألت نفسك في يومٍ ما: ما هي ريادة الأعمال؟ ثم قررت إجراء بحث حول هذا الأمر، ستجد العديد من التعريفات الخاصة بهذا المجال. إذ لم يتفق الجميع على تعريف ريادة الأعمال بشكلٍ متشابه، نظرًا لاختلاف الرؤية حول المفهوم وفقًا لفكر كل فرد، فهو مجال يعتمد على الإبداع والأفكار الشخصية بصورة رئيسية.

بالتالي، لا يمكن لأحد الحكم بوجود صورة واحدة فقط لنجاح رائد الأعمال، إذ يختلف الأمر وفقًا لطبيعة النشاط الذي يؤديه كل فردٍ حسب مشروعه. ما حدث هو أنّه تم التسويق لهذا المجال بصورة غير مناسبة في عالمنا العربي، مما أدّى إلى وجود مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال، منها:

1. لا بد من خلق فكرة ليس لها مثيل

واحدة من الأفكار الخاطئة حول ريادة الأعمال، هي ظن بعض الناس أنّ فكرة المشروع يجب ألّا يكون لها مثيل. بالتالي، لا بد من خلق فكرة كاملة من الصفر، دون أي تشابه بينها وبين الأفكار الموجودة حاليًا. في عالم الأعمال اليوم، لن تجد هذه الفكرة على الأغلب، إذ توجد مليارات الأفكار المنفذة بالفعل.

ثم ما الفائدة من وجود فكرة جديدة في المطلق؟ أليس الأهم هو ما تقدمه هذه الفكرة للعملاء؟ في بعض الأحيان تتطلب الأفكار الجديدة مجهودًا أكبر لتسويقها، لا سيّما مع عدم فهم العملاء لها جيدًا، وخوفهم من التجربة. إذًا، الفكرة الجديدة ليست هدفًا في حد ذاته، ببساطة لأن قيمة الفكرة فيما تقدمه لا في حداثتها.

رغم ذلك، يؤجل بعضهم بدء مشروعه، حتى يصل إلى هذه الفكرة المتميزة. في حين ليس هذا مفهوم ريادة الأعمال الصحيح، فالنجاح لا يحتاج إلى فكرة لم يسبق تنفيذها، بل يتطلب فكرة لها ميزة مقترحة، تقدم إلى العملاء في التوقيت المناسب. ربما تكون أبسط الأفكار هي الأكثر قدرة على النجاح وفقًا لذلك.

في عام 2008 تلقى أصحاب شركة Airbnb رفضًا من المستثمرين لفكرتهم، التي تتيح للأشخاص تأجير واستئجار سكن، معللين ذلك أنّه لا أحد سيقبل تأجير منزله لشخص غريب، وبالتالي فهي فكرة سيئة. لكنّها نجحت في مخالفة توقعات المستثمرين، محققة نجاحًا كبيرًا بفضل توقيتها المناسب.

نجحت الفكرة على بساطتها في تحقيق انتشار كبير جدًا لظهورها في وقت الأزمة الاقتصادية العالمية. إذ يبحث الأفراد عن مصدر إضافي للدخل، وبالنسبة للطرف الآخر فهو يبحث عن تقليل التكلفة. هذا ما جعل فكرة Airbnb تذكر دائمًا على أنّها نموذج مشروع ريادة الأعمال الناجح، وأصبحت مثال يحتذى به في أهمية التوقيت لنجاح المشاريع.

يمكن أيضًا طرح أمثلة على ريادة الأعمال من الوقت الحالي، وتطبيق Clubhouse ذائع الصيت مؤخرًا الذي يختص بالمحادثات الصوتية بين الأفراد، وهي تشبه غرف المحادثات القديمة، وتبدو أقرب إلى البودكاست لكن تحدث بشكل مباشر وحصري. نجح التطبيق هو الآخر في تحقيق نجاح كبير رغم بساطة الفكرة، لأنّه قدم مميزات أخرى إلى المستخدمين. وهو ما يؤكد لنا أنّ النجاح لا يحتاج سوى لفكرة جيدة سواءً كانت جديدة أو قديمة؛ العبرة في طريقة التنفيذ.

2. الاستثمار هو السبيل الوحيد لنجاح المشروع

واحدة من المفاهيم الخاطئة عن ريادة الأعمال، هي الاعتقاد أنّ وجود المستثمرين هو السبيل الوحيد لنجاح المشروع. إذ يبدأ بعض رواد الأعمال العرب في تجهيز فكرة مشروعهم، وفي الوقت نفسه يخوضون رحلة البحث عن مستثمر لتمويل المشروع.

يظنون أن هذه هي أهداف ريادة الأعمال بالنسبة لهم، وأنّه لا سبيل لنجاحهم سوى من خلال المستثمرين. فإمّا يمنحوهم المال لتمويل شركتهم، أو ينتظرون استحواذ شركة عالمية أخرى على شركتهم، ومن ثم يعملون بها في أحد المناصب الهامة.

لا يمكن الحكم على طموح أحد من جهة الصواب أو الخطأ، إذ تختلف أهداف ريادة الأعمال من شخص لآخر. لكن هذا ليس الطريق الوحيد لنجاح المشروع، بل هي واحدة ضمن أساطير مجال ريادة الأعمال التي تروج بعدم وجود طريقة للنجاح إلا من خلال تمويل المستثمرين.

لذلك لا بد من هدم هذا الاعتقاد الخاطئ، ليتسنى للجميع بدء أعمالهم التجارية دون مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال قد تؤدي إلى خسارتهم لاحقًا. إلى جانب المستثمرين توجد خيارات أخرى يمكن الاعتماد عليها للتمويل مثل: المدخرات الشخصية، والحصول على المال من الأصدقاء والعائلة، واللجوء إلى الحواضن ومسرعات الأعمال.

في كثير من الأحيان تكون هذه الخيارات أفضل من خيار الاستثمار، وذلك -على سبيل المثال لا الحصر- لأن العمل مع المستثمرين يتطلب معرفة متطلباتهم والالتزام بها، ما قد يعيق رائد الأعمال عن تنفيذ فكرته بالشكل الذي يريده، مع تضييع قدرٍ من المجهود للتواصل مع المستثمرين. بالتالي عندما يعمل دونهم، يمنحه هذا الحرية في فعل ما يريد.

عندما بدأ ستيف جوبز في شركة آبل رفقة ستيف ووزينياك، كان خيارهما هو الاعتماد على المدخرات الشخصية الخاصة بهم، وهو الأمر الذي ستراه لدى العديد من رواد الأعمال العرب أيضًا، لأنّهم لا يريدون تأجيل عملهم حتى الوصول إلى مستثمر، بل يرغبون في استغلال الوقت وبدأ مشروعهم في الوقت المناسب.

3. يمكنك تحقيق النجاح دون الاستعانة بالآخرين

لسنا جميعًا أصحاب رؤى، وخبراء تقنيين، وخبراء في المنتج ومطورين، ومتخصصين في المبيعات وجمع الأموال. فعلى هذا النحو، لن يكون معظم روّاد الأعمال مؤهلين للقيام بأي شيء، بما فيهم أنا؛ بل من المهم أن يكون لديك فريق عمل مناسب يمكنه تعويض أوجه قصورك.

معاذ شيخ، الشريك المؤسس لشركة ستارز بلاي: من كتاب ستارت أب عربية للكاتب أمير حجازي.

حتى مع وجود فكرة جيدة، يعتمد تنفيذها على وجود فريق عمل مناسب، بإمكانه تحويل هذه الفكرة إلى أرض الواقع بالفعل. سواءً كان فريق العمل هو مجموعة من الشركاء المؤسسين أو الموظفين في الشركة. واحدة من المفاهيم الخاطئة عن ريادة الأعمال هي تصور بعض الأفراد أنّه بإمكانهم العمل على الفكرة بمفردهم لتحقيق النجاح.

يبدو هذا مفهومًا في إطار السعي إلى إدارة التكلفة عند تأسيس الشركة، إذ لا توجد السيولة الكافية لتحمل الرواتب المستمرة. لكن في الوقت ذاته لا يمكن إهمال أهمية الشريك أو الموظفين في تنفيذ الفكرة. فوجود هؤلاء سيساعد في تنفيذها بالشكل المطلوب. لهذا إن كنت تفكر في مشروعك، فلا بد ألّا تهمل فريق العمل.

كما أنّ تعيين متخصصين في المهام المختلفة، سيجعلك تركّز انتباهك على إدارة العمل والتفاصيل الهامة، مثل بحث الفرص المناسبة للنمو والتطور. فإذا كنت تفعل كل شيء بمفردك، فلن تجد الوقت الكافي لمثل هذه المهام التطويرية، التي هي مستقبل الشركة.

لذا، يمكنك تبديل مفهوم ريادة الأعمال الخاص بك، من شخص يعمل بمفرده، إلى شخص يملك فريقًا يساعده على النجاح. يمكنك الاستعانة بالمستقلين عبر منصة مستقل –أكبر منصة عمل حر عربية- بدلًا من الموظفين الدائمين، سيساعدك ذلك في التحكم بالتكلفة وتقليلها كثيرًا، مع الحصول على جودة في الأداء.

4. ريادة الأعمال تحقق لك الثراء سريعًا

عندما يبدأ رائد الأعمال مشروعه، فإنّه يضع في ذهنه غالبًا صورة النجاح المبهرة، تلك التي يراها في أشخاص مثل مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، وإيلون ماسك مؤسس تسلا، وغيرهما من رواد الأعمال الناجحين. بالطبع هذا شيء جيد لتحفيز الذات نحو النجاح.

لكن في الوقت نفسه تعد مسألة الثراء السريع، واحدة من أساطير مجال ريادة الأعمال المنتشرة من حولنا، وربما تكون الأكثر ألمًا لكثير من رواد الأعمال العرب الذين يكتشفون هذا الأمر بعد البدء. يمثل الثراء أحد أهداف ريادة الأعمال، بل ويجب أن يأتي في المقدمة، فهذا أمر لا خلاف عليه.

لكننا نصنف فقط الاعتقاد الكامل بتحقيق الثراء السريع، ضمن المفاهيم المغلوطة عن ريادة الأعمال التي يجب إصلاحها، لأن الواقع ليس بهذه البساطة. نحن نجد يوميًا العديد من الشركات التي لا تقدر على الاستمرار من الأساس فتتوقف تمامًا، وتلك التي لا زالت لا تربح بعد، رغم قيمتها الكبيرة مثل شركة أوبر.

عندما تدرك هذه الحقيقة قبل البدء، وتتجنب تكوين أفكار خاطئة حول ريادة الأعمال، ستكون أكثر صبرًا على عملك، ولن تعد نفسك بالثراء السريع. سوف تتقبل الرحلة الطويلة في عالم ريادة الأعمال، وتسير في الطريق اللازم لتحقيق النجاح، دون وجود مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال.

كيف تبدأ في مشروعك الريادي؟

لا يستهدف المقال إبعادك عن ريادة الأعمال، لكن محاولة مناقشة مفهوم ريادة الأعمال بما يحدث في الواقع، وإعادة التفكير في المفاهيم الخاطئة عن ريادة الأعمال تلك التي أدّت إلى تأجيل الكثيرين لبدء أفكارهم. وبالتالي جذبك إلى المجال لكن مع تعريفك بعالم ريادة الأعمال بالشكل الصحيح.

يمكنك بدء أولى الخطوات بتحديد فكرة المشروع الخاص بك. بدلًا من انتظار فكرة استثنائية لا مثيل لها، بإمكانك الاعتماد على دراسة السوق والتعرف على احتياجات المجتمع من حولك، والتفكير في تقديم حلول مناسبة لها. مثلًا تقديم فكرة برمجية، مثل برامج المحاسبة أو برامج الإدارة التي تستخدم في الصيدليات والمتاجر، وغيرها من الأفكار الملائمة.

بعد الانتهاء من تصور الفكرة المناسبة، لا بد من بحث السوق جيدًا للتأكد من إقبال المستخدمين عليها، ثم بعد ذلك يمكنك توظيف مطور ويب أو مطور تطبيقات عبر مستقل، ليساعدك في تنفيذها بالشكل المطلوب. وفي الخطوة الأخيرة لا بد من امتلاك تصور لنموذج العمل التجاري الذي سيساعدك في تحقيق الأرباح.

ختامًا، يبدو عالم ريادة الأعمال واعدًا لمن يبحث عن النجاح. لكن في الوقت ذاته، لا بد من التفكير جيدًا بشأن ما يُقال حول هذا المجال قبل دخوله، حتى لا تصدمك الحقيقة. يسعى الكثيرون إلى الترويج إلى المجال حاليًا للاستفادة من توجّه رواد الأعمال العرب إليه، حتى لو ترتب على ذلك انتشار مفاهيم مغلوطة عن ريادة الأعمال.

لذا، عليك أن تعرف أنّ النجاح لا يتحقق بين ليلةٍ وضحاها، بل هو نتيجة عمل دائم ومستمر لفتراتٍ طويلة. وإدراكك لوجود مفاهيم خاطئة عن ريادة الأعمال مع استبدالها بمفاهيم واقعية، سيساعدك على بدء رحلتك الخاصة بعقلية سليمة، قادرة على تحقيق النجاح.

تم النشر في: نصائح ريادية