قبل نحو 3 سنوات ونصف، قرأت كتابًا أجنبيًا بدا لي عنوانه غريبًا حينها، وهو “كيف تكسب 10000 دولار في ثلاثة أشهر عبر الإنترنت.” في ذلك الوقت، لم أكن أتصور أن الإنترنت يمكن أن يكون مصدر دخل أو فضاء للعمل. فقد كنت أراه مكانا للترفية أو التعلم والتواصل وحسب.
شرح صاحب الكتاب أنه في عصر الإنترنت، لم يعد من الضروري أن تعمل من مقر الشركة أو محل العمل، فالكثير من الأعمال يمكن أداؤها عن بعد، مثل: الترجمة والتأليف والبرمجة والتسويق وغيرها. عندما قرأت الكتاب اتضحت لي الصورة، وبدا لي الأمر منطقيًا جدًا، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يرغبون في من يترجم أو يؤلف أو يطور لهم موقعًا أو تطبيقًا، ولكنهم لا يجدون الوقت لذلك أو لا يملكون المهارات اللازمة.
بالمقابل، هناك الكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بتلك المهارات وعلى استعداد للعمل على تلك المشاريع. لذلك كان ظهور منصات العمل الحر التي تربط أصحاب المشاريع بالمستقلين مسألة وقت وحسب. بدأت البحث حينها عن منصات للعمل الحر في العالم العربي، إلى أن وقعت على منصة مستقل، وهي أكبر منصة عربية للعمل الحر.
إني -مثل أغلب الألفيين- أحبذ الحرية في العمل. لا أريد أن أعمل وفق نظام العمل التقليدي، أتنقل يوميًا إلى مكان العمل، وأعمل وفق جدول زمني صارم، وأعمل على مشاريع يختارها لي غيري قد لا أحب العمل عليها. منذ دخلت العمل الحر وجدت الحرية التي أنشُدها. فأنا أعمل متى أريد ومن المكان الذي أحب وعلى المشاريع التي أختارها.
والأكثر من هذا، أني لا أتقيد بتخصّص أو مجال معين، إذ يمكنك أن تقدم عرضك على أي مشروع في أي مجال بلا قيود. وهو أمر قد لا تجده في الوظيفة التقليدية التي يُطلب منك فيها غالبًا الالتزام بعمل معين، إذ يعطونك مكتبًا في إحدى الزوايا ويُكلفونك بمجموعة من المهام التي ستعمل عليها بقية حياتك.
عندما أخرج صباحًا من منزلي، وأرى الناس يتجهون إلى مقرات عملهم عابسة وجوههم وورائهم يوم طويل من العمل، ربما في وظائف لا يحبونها، أحمد الله أني لم أسلك هذه الطريق -طريق الوظيفة التقليدية- طبعًا أنا لا أقول أن الوظائف التقليدية سيئة، فالوظائف التقليدية لها حسناتها. إنما أتحدث عن تجربتي الشخصية، ولا أشك أن الكثيرين مثلي يفضلون العمل الحر على العمل التقليدي.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من العمل على أكثر من 100 مشروع وإدارة مشاريع على مستقل في مختلف المجالات، تعلمت الكثير وتعاملت مع عشرات رواد الأعمال وأصحاب المشاريع والشركات. وقد أحببت أن أشارك مع العاملين في مجال العمل الحر، سواء مستقلين أو أصحاب مشاريع، ما تعلمته وأضع خلاصة خبرتي بين أيديهم على هيئة مجموعة من النصائح والوصايا، التي أبدؤها بالمستقلين:
1. البدايات هي الأصعب
ككل المجالات، فأصعب مرحلة في مشوارك نحو العمل الحر هي البداية، لأن المنافسة كبيرة، فستنافس مستقلين أكثر خبرة منك، وعلى الأرجح أكثر منك مهارة وأوسع معرفة، ولديهم تقييمات جيدة. ولكن لا يحبطنّك هذا، فالبداية صعبة في أي مجال تدخله، سواء في العمل الحر أو غيره. أتذكر عندما بدأت العمل الحر قبل أكثر من ثلاث سنوات أني وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد فرصة للعمل. في الحقيقة، لقد قضيت عدة أشهر قبل أن أحصل على أول مشروع لي، لذلك أعلم أنّ البداية صعبة.
يصعب على المستقلين الجدد الحصول على أول مشروع لهم. والسبب الرئيس في ذلك أنّ أصحاب المشاريع يميلون إلى توظيف المستقلين الذين لديهم أعمال سابقة وتقييمات جيدة. وهذا أمر طبيعي، فهم يريدون توظيف الأفضل. لذا إن أردت إقناع أصحاب المشاريع بقبول عروضك، عليك أن تبين لهم مهاراتك وخبراتك، وتثبت لهم أنّك لا تقل شأنًا عن المستقلين أصحاب الخبرة.
أفضل طريقة من وجهة نظري لفعل ذلك هي إنجاز أعمال في مجال تخصصك ونشرها في معرض أعمالك لتكون برهانًا لمن يزور معرضك على علو كعبك وإثباتا فعليا لمهاراتك. وهذا ما فعلته بالضبط، فبحكم أنّي بدأت مشواري في العمل الحر في مجالي الترجمة والتأليف، رأيت أنّ الطريقة الأفضل لإثبات نفسي وأبين أني أملك المهارة هي أن أؤلف كتابًا، وهذا ما فعلته.
الكتاب كان في مجال التسويق والسيو، واستغرق مني تأليفه بضعة أسابيع، وقد استحق الوقت الذي قضيته في تأليفه. ذلك أنّه بعد تأليف الكتاب ونشره في معرض أعمالي، أصبح لدي حينئذ دليل فعلي على قدرتي على العمل على المشاريع مثلي مثل المستقلين الأقدم.
بالطبع أنا لا أطلب منك تأليف كتاب لكي تدخل مجال العمل الحر، فهذا مجرد مثال. المهم أن تنجز بعض الأعمال التي تثبت فيها براعتك. إن كنت تريد العمل كمترجم أو مؤلف، فيمكنك تأليف بضع مقالات قصيرة، أو نشر بحث عملت عليه في الجامعة، أو ترجمة بعض المقاطع. وإن كنت تريد العمل في التصميم، فصمم بعض الصور والأغلفة الجميلة وضعها في معرض أعمالك. وإن كنت تريد العمل في مجال البرمجة، فطور مثلًا برنامجًا مفتوح المصدر وضعه على جيت هاب وشاركه مع الناس.
يحسب الكثيرون من المستقلين الجدد أنّ الطريق للحصول على أول مشروع هو تقديم عروض بميزانيات متدنية، صحيح أنّ على المستقل التحلي بالمرونة في الميزانية في بداية مشواره، لكن حتى لو قدمت أدنى عرض، فإن لم يكن معرض أعمالك جيدًا فلن يُقبل عرضك.
أتذكر أنّ ميزانية العرض الذي قدمته على أول مشروع لي كانت أكبر من ميزانيات بقية العروض رغم أني لم أعمل حينها على أي مشروع ولم يكن لي أي تقييم. ورغم أنّ بعض العروض كانت من مستقلين ذوي تقييمات جيدة وربما قدموا ميزانيات أقل، ومع ذلك قُبِل عرضي، والسبب غالبا هو معرض أعمالي. تذكر أنّ البداية ستكون صعبة، لكن بمجرد أن تحصل على مشروعك الأول، ستتعبّد الطُرق أمامك وتتوالى المشاريع تباعًا بإذن الله تعالى.
2. الأدب سلعة لا تبور
الأدب وحسن الخلق مهمان في كل مجالات العمل، خصوصًا في العمل الحر. ينبغي أن يتحلى المستقل بالأدب وحسن المعاملة والتجاوب مع صاحب المشروع. ألق التحية دائما عند مراسلة صاحب المشروع، واجعله يعلم أنك مهتم بإنجاز العمل على أحسن وجه وأنك مستعد لإجراء التعديلات التي يريد. ينبغي أن تتحلى باللباقة في رسائلك، بدل أن تكتب إلى صاحب المشروع: “ها هو مشروعك”
أليس الأفضل أن تكتب له: “السلام عليكم، مرحبا أخي [فلان]، لقد أنهيت العمل، لا تتردد في طلب أي تعديلات.” سوف يحسّن حسن الأدب علاقتك بأصحاب المشاريع، وهذا سيزيد احتمال أن يعطوك تقييمات جيدة ويتعامَلوا معك لاحقا ويُوصوا غيرهم بالتعامل معك.
3. أتقن العمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.” إتقان العمل ليس فضيلة دينية وحسب، بل هو كذلك أحد شروط النجاح في العمل الحر. إن كنت تتقن عملك ستحصل على تقييمات جيدة، وهذه التقييمات ستعطيك سمعة حسنة في منصة العمل الحر وتساعدك على الحصول على مشاريع أخرى.
4. وسع معارفك وتعلم مهارات جديدة
عندما تدخل مجال العمل الحر، ستسقط عنك معظم القيود التي تقيد الناس في الوظائف التقليدية. سيكون بمقدورك أن تعمل على المشاريع التي تختارها وفي المجالات التي تحب. بالطبع عليك أولًا أن تملك المهارات اللازمة للعمل في المجال الذي تريد.
الجميل في العمل الحر أنك لست مقيدًا بأي مجال، فلا أحد سيمنعك من تقديم عرضك على مشروع معين، سواء كان في مجال التصميم أو التأليف أو برمجة التطبيقات أو التدريب. فالعمل الحر ليس مسارًا واحدًا عليك أن تسلكه، بل هو مسارات كثيرة ورحبة يمكنك اتباع أيًا منها، بل يمكنك اتباع أكثر من مسار.
لهذا عليك أن تتعلم مهارات جديدة باستمرار. لأن كل مهارة تتعلمها ستفتح لك أبوابا جديدة، وتتيح لك العمل على مشاريع جديدة. ركز في البداية على مهارة أو مهارتين تُتقنهما، اجعلها عماد عملك، تعمق فيها وكن خبيرًا فيها. من الأخطاء التي يرتكبها المستقلون الجدد أنهم يحاولون تعلم كل شيء ظنا منهم أن ذلك سيزيد فرصهم في الحصول على عمل، والحقيقة أن ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية، لأن المستقلين الذين يريدون تعلم كل شيء ينتهي بهم المطاف بتعلم أشياء قليلة عن كل مجال، وهذا لن يفيدهم في مسارهم المهني.
بالطبع، أن تكون خبيرًا في مجال معين لا يعني أنك تحب العمل فيه، فربما تفضل العمل في مجال آخر. كما قلت آنفًا، لا أحد يمنعك من العمل في مشاريع في المجال الذي تحب، لذلك تعلم المهارات اللازمة للعمل في المجالات التي تريد، ثم اقتحم ذلك المجال.
عندما بدأت في العمل في مستقل، ركزت على الترجمة والتأليف، وكانت كل المشاريع التي عملت عليها في هذين المجالين، لكني طالما أردت العمل في مجال البرمجة، لأني أحب هذا المجال. لذا في أثناء العمل على مشاريعي على مستقل، بدأت تعلم تقنيات البرمجة وتطوير المواقع إلى أن أحسَنتها. والآن أعمل على مشاريع تطوير المواقع إضافة إلى البرمجة والتأليف.
لو أني حاولت العمل على مشاريع تطوير المواقع منذ البداية لفشلت، لأني لم أكن أتقن هذا المجال حينها. لذلك بدأت بالمجال الذي أحسنه، ثم تعلمت مجالًا آخر أحبه أثناء ذلك. نصيحتي لك هي ابدأ بمجال معين، ليس بالضرورة المجال الذي تريد التخصص فيه في النهاية، ولكن يُفضل أن تبدأ بالمجال الذي تتقنه. ثم يمكنك بعد ذلك توسيع نطاق عملك والعمل في مجالات آخرى.
5. اسع إلى الدخل السلبي
تعريف: الدخل السلبي هو الدخل النقدي المتدفق بشكل منتظم والناتج عن الاستثمار في مشروع معين دون الحاجة إلى المشاركة المادية أو الوجود الفعلي للمستثمر الحاصل على الدخل. ويكيبيديا
ما يمكن أن نستشفه من تعريف ويكيبيديا للدخل السلبي -بالإضافة إلى ركاكة الأسلوب- أنّ الدخل السلبي هو نشاط تجاري يدر دخلا مستمرًا دون الحاجة إلى إشراف مباشر من صاحب المشروع. من أمثلة ذلك، كراء منزل أو كتاب إلكتروني تُباع 100 نسخة منه شهريا مثلًا.
لقد تحدثنا آنفا عن بعض مزايا العمل الحر، مثل الحرية والمرونة. وبالمقابل فإنّ للوظيفة التقليدية حسناتها أيضا، منها أنه يمكنك الترقي في سلم الوظيفة وتحسين وضعك المالي والاجتماعي مع مرور الوقت. لكنّ هذا غير موجود في العمل الحر، لأنك لا تعمل مع شخص أو شركة واحدة، وبالتالي لن تترقى في العمل أو تحصل على علاوة من صاحب العمل.
إن كان العامل في الوظيفة التقليدية يسعى إلى العلاوة والترقية والتسلق في سلم الوظيفة، فما الذي ينبغي أن يسعى إليه المستقل؟ الجواب هو تحقيق الدخل السلبي. بمعنى أن تحقق دخلًا منتظمًا ومستمرًا دون الحاجة إلى العمل.
مفهوم الدخل السلبي معروف وشائع، وهو حلم للكثيرين. فمن منا لا يرغب في التخلص من كل أعباء العمل، وأن يتفرغ لفعل ما يريد ويزاول الهوايات التي يحب دون القلق من تكاليف الحياة. لكن هل هذا المطلب واقعي؟ للأسف لا، الدخل السلبي صعب جدًا، إن لم يكن مستحيلًا.
لهذا لدي تعريف أكثر واقعية للدخل السلبي، وهو: الدخل المستمر والمنتظم الذي يتطلب حدا أدنى من العمل. هذا التعريف أكثر واقعية، إن كنت تملك متجرًا إلكترونيًا أو مدونة تحقق دخلًا، فهما مشروعان يحققان دخلًا سلبيًا، لأن صيانتهَما لن تتطلب منك إلا الحد الأدنى من العمل، ولن يستغرق الكثير من الوقت، فقد لا تتطلب منك أكثر من ساعتين يوميًا على أقصى تقدير.
قد تقول ولكني لا أعرف كيف أحقق الدخل السلبي، ليست لدي أفكار لمشاريع تدر دخلًا سلبيًا. أقول لك لا تقلق، فمن ميزات العمل الحر أنّه سيوسّع آفاقك، لأن العمل الحر يتطلب منك أن تتعلم مهارات جديدة، وتعمل في مجالات كثيرة، وستعمل مع الكثير من أصحاب المشاريع ورواد الأعمال والشركات العربية. وفي كل مرة تعمل فيها على مشروع جديد ستتعلم أشياء جديدة وتقتنص أفكارًا وتبصر فرصًا جديدة لا ينتبه إليها الناس. بعد العمل على بضع عشرات من المشاريع في العمل الحر ستجد أنّ رأسك امتلأت بأفكار لمشاريع كثيرة مربحة.
لن تربح الأفكار وحسب، بل ستملك المهارة لتطبيقها أيضًا، لأنك تعمل على مشاريع مماثلة سلفًا لصالح أشخاص آخرين. والجميل في الأمر أن معظم هذه المشاريع لن تكلفك الكثير من المال، كما هو حال مشاريع الاقتصاد الرقمي عمومًا. وفي حال لم ينجح أحد المشاريع، فيمكنك تجريب أفكار أخرى إلى أن تنجح.
وحينها ستعيش حرًا بقية حياتك بإذن الله تعالى، ولن يكون عليك العمل إلا بالقدر الكافي لصيانة مشاريعك التي لن تتطلب منك أكثر من ساعتين يوميًا، حيث يمكنك على الأرجح إنهاؤها قبل الإفطار. حين يبدأ الناس الاستعداد للذهاب إلى وظائفهم، تكون أنت قد انتهيت، ويبقى لك اليوم بطوله لتفعل فيه ما يحلو لك.
6. كن ناصحًا أمينًا
عليك أن تكون ناصحًا لصاحب المشروع، إن رأيت أنّ هناك طريقة أفضل لأداء العمل الذي يريد، أو أنّ هناك أداة أو منصة أفضل من الأداة أو المنصة التي يريد العمل عليها، فلا تتردد في تقديم النصح والمشورة له. أحيانا قد يعطيك العميل بعض المعلومات الخاصة، أو قد يعطيك صلاحيات خاصة لإدارة موقعه أو متجره. ينبغي أن تكون أمينًا، ولا تستخدم البيانات أو الصلاحيات التي أعطاها لك إلا في الوجه المتفق عليه.
7. صاحب المشروع دائما على حق
هناك مقولة شهيرة في مجال التسويق تقول أنّ العميل دائمًا على حق. في مجال العمل الحر العميل هو صاحب المشروع. ينبغي أن تدرك أنّ المشروع مشروعه، لذلك عليك أن تلتزم بتنفيذ ما يطلبه، حتى لو لم تتفق معه في طريقة العمل أو جدوى المشروع. هذا لا يناقض النصيحة السابقة، صحيح أن عليك أن تنصح لصاحب المشروع، لكن في النهاية المشروع مشروعه، وعليك أن تلتزم بما يطلبه منك.
8. أدر وقتك جيدًا
يفسح لك العمل الحر مساحة كبيرة من الحرية، يمكنك أن تعمل متى شئت، فالمهم أن تنجز العمل وتلتزم بموعد التسليم، ولا يهم كيف تفعل ذلك أو ساعات عملك. لا يحسن بعض المستقلين استغلال هذه الحرية، فتجده يعمل بنسق فوضوي دون تخطيط أو نظام.
كمستقل، ليس لك رئيس، فأنت رئيس نفسك، ومسؤولية تحديد الجدول الزمني للعمل تتحملها أنت. لذلك من المهم أن تعرف كيف تدير وقتك، صمم جدولًا زمنيًا يناسبك والتزم به. حين أتحدث عن إدارة الوقت فلا أقصد وقت العمل على المشاريع وحسب، ولكن أيضا الوقت اللازم لتعلم مهارات جديدة أو العمل على مشاريع خاصة أو حتى مزاولة الهوايات وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.
هناك الكثير من الطرق لتنظم وقتك، ولا توجد طريقة تناسب الجميع، فلكل مستقل خصوصياته والتزاماته. أنا شخصيا لدي نظام عمل خاص، وهو:
يقسّم هذا النظام اليوم إلى ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول تعمل على مشاريع مستقل، وهذا يضمن لك تحقيق دخل مادي متواصل. الجزء الثاني مخصص لتعلم مهارات إضافية، وهذا يضمن لك تطوير نفسك باستمرار وتحسين دخلك. أما الجزء الثالث فيُخصص للعمل على مشاريع تهدف إلى تحقيق الدخل السلبي، وهو الهدف الذي ينبغي أن يسعى إليه كل مستقل.
لا أقول إن هذا النظام سوف يناسبك، فلكل مستقل خصوصياته. نظّم وقتك بالطريقة التي تحب. ولكن مهما كان النظام الذي اخترته، ينبغي أن تخصص فيه وقتا كافيا لإنهاء مشاريعك وتطوير نفسك ومهاراتك والسعي نحو تحقيق الدخل السلبي في النهاية، بحيث يصبح جدول عملك في النهاية كهذا مثلا:
نصائح لأصحاب المشاريع على مستقل
1. الأدب سلعة لا تبور
كما هو حال المستقل، ينبغي أن يتحلى صاحب المشروع بالأدب. أنت كصاحب مشروع لديك اليد العليا على المستقل، وهذا قد يجعلك تستهين بالمستقل أو لا تحسن معاملته. عليك أن تحسن الأداب والتعامل مع المستقل، ألق التحية دائمًا، وأظهر له الاحترام والتقدير. فذلك أدعى لأن يخلص في عمله ويتقنه.
2. اختر نخبة النخبة
تخيل شركة رهن إشارتها أكثر من 10000 عامل في كل المجالات ويتمتعون بكل المهارات التي قد تحتاجها. كلما أرادت هذه الشركة العمل على مشروع، فإنها تختار نخبة النخبة من أولئك العشرة آلاف، وتختار الأفضل منهم والأكثر مهارة والأصلح للمشروع. والأكثر من هذا أنه ليس عليها أن تدفع إلا مقابل العمل الذي تحصل عليه، وليست مضطرة لتدفع إلى آلاف العمال الآخرين.
قد تقول لي: لا شك أنك تتحدث عن إحدى الشركات العملاقة، مثل أمازون أو جوجل أو ميكروسوفت. ثم قد تتذكر أن هذه الشركات عليها أن تدفع لجميع العمال، سواء عملوا أم لم يعملوا.
الشركة التي أتحدث عنها قد تكون شركتك أنت! نعم شركتك أنت. فكر في الأمر، هذا ما تفعله منصة مستقل، إذ أنها تستضيف أكثر من 10000 مستقل في كل المجالات ويتمتعون بمئات المهارات. وفي كل مرة تحتاج إلى إنجاز مشروع يمكنك أن تختار نخبة النخبة من المستقلين لإنجاز العمل الذي تريد، وفوق هذا لن تدفع له إلا مقابل العمل الذي تحصل عليه.
يبدوا هذا الكلام رائعًا، ويبدو أن العمل الحر سيعطيك ميزة تضاهي الشركات الكبيرة التي توظف جيوشًا من العمال. لكن هناك مشكلة في هذا الكلام، تذكر عندما قلت أنّ شركتك يمكنها أن توظف نخبة النخبة وأفضل المستقلين المتوفرين.
منصة مستقل ضخمة، إذ يفوق عدد المسجلين فيها 11000 مستقل في وقت كتابة هذا المقال. وهو عدد كبير جدًا يفوق الترسانة البشرية لمعظم شركات العالم، بما فيها بعض الشركات الضخمة (تويتر يعمل فيها 4600 موظف). بيد أنّ هنالك مشكلة، وهي أنه من الصعب أن تعثر وسط هذا العدد الكبير من المستقلين على نخبة النخبة وأفضل المستقلين الذين يملكون الخبرة والتقييم العالي، وفوق هذا يتقنون المهارات التي يتطلبها مشروعك.
يتيح مستقل مجموعة من المقاييس التي يمكنك الاعتماد عليها لاختيار المستقل الأنسب لمشروعك، مثل عدد المشاريع التي عمل عليها والتقييم العام، وتقييمات كل مشروع على حدة. صحيح أن هذه المقاييس مهمة، إلا أنها قد لا تكون كافية.
إحدى أكبر المشاكل ونقاط الألم التي يواجهها أصحاب المشاريع هي العثور على أفضل مستقل لينجز لهم العمل بأعلى جودة ممكنة وفق الميزانية المتاحة. لفعل ذلك يجب على صاحب المشروع أن يبحث في المنصة كلها، ويحلل جميع الملفات الشخصية للمستقلين، ويراعي الكثير من العوامل، مثل:
- الخبرة: يعرض مستقل عدد المشاريع التي عمل عليها المستقل، وهو مقياس جيد لتقدير خبرة المستقل. ولكن يمكن الحصول على تقدير أفضل إن أخذنا بالحسبان عوامل أخرى. مثلًا، إن كان هناك مستقلان، أحدهما اسمه عمرو، وعمل على مشروع واحد، والآخر اسمه زيد، وعمل على مشروعين. إن سألتك أيّ المستقلين أكثر خبرة؟ فستقول على الأرجح أن زيدًا أكثر خبرة من عمرو.
ولكن ماذا لو قلت لك أنّ صاحب المشروع الوحيد الذي عمل عليه عمرو هو أحد كبار أصحاب المشاريع، والذي أدار أكثر من 100 مشروع على مستقل، أما المشروعين اللذين عمل عليهما زيد فكانَا لصاحب مشروع مبتدئ أدار 5 مشاريع فقط مثلا.
حينها قد تراجع نفسك، وتقول أن عمرو أكثر خبرة من زيد، رغم أنه عمل على مشروع واحد فيما عمل زيد على مشروعين. ولكنّ المشروع الذي عمل عليه عمرو كان مع صاحب مشروع ذو خبرة عالية، ولديه الكثير من المشاريع، وبالتالي يمكن أن نفترض أن ميزانيته كبيرة، وأن عملائه كبار، ما يتطلب أن تكون معايير العمل معه متقدمة جدًا موازنة بصاحب المشروعين اللذين عمل عليهما زيد. إذن فالعبرة ليست بعدد المشاريع وحسب، ولكن بنوعية المشاريع وخبرة أصحابها.
- التقييم: يتيح لك مستقل الاطلاع على تقييمات المستقلين. التقييمات مقياس فعال لتقدير جودة أعمال المستقل. لكن تذكر أن الكثير من أصحاب المشاريع يجاملون، ويتحاشون إعطاء تقييمات سيئة للمستقلين حتى لو لم تكن أعمالهم عالية الجودة. لذلك أقترح مقياسًا أفضل، وهو المشاريع المكررة.
لنفترض أن صاحب مشروع عمل على مشروعين، أحدهما مع زيد، والآخر مع عمرو. أنجز زيد وعمرو المشروعين. عندما استلمَهما صاحب المشروعين لاحظ أن عمل عمرو كان جيدا جدا، أما عمل زيد فلم يكن كذلك، فقد كان مقبولا وحسب. صاحب المشروع أعطاهما معا تقييما كاملا، لأنّ عمرو يستحقه، ولزيد مجاملة.
إن نظرت إلى التقييم وحده فقد تنخدع، فترى أن كليهما حصلا على التقييم نفسه، ولكن شتان بين جودة عمليهما. إذن كيف تعرف الأفضل. قد يجامل صاحب المشروع مستقلا ويعطيه تقييما كاملا، ولكن الأكيد أنه لن يتعامل معه مجددا، لأن ذلك سيضره.
في المشروع القادم سيعمل صاحب المشروع مجددا مع عمرو، لكنه لن يتعامل مع زيد، وسوف يبحث عن مستقل أفضل منه. لذلك فأفضل طريقة لتقييم جودة أعمال مستقل ما هي أن تنظر في المشاريع التي عمل عليها، وتحصي عدد أصحاب المشاريع الذين يعودون للتعامل مع المستقل. فكلما كان أكبر، كان ذلك دليلا على أنّ أصحاب المشاريع راضون عن العمل الذي يقدمه المستقل، لهذا يحرصون على التعامل معه مرارا وتكرارا.
3. حدد تفاصيل مشاريعك
أحيانًا ينشر البعض مشاريع مبهمة، فيكتب مثلا: “أريد من يترجم كتابا.” فلا يحدد عدد الكلمات أو الصفحات التي يريد ترجمتها ولا نوع المحتوى النصي. اعلم أنّ المستقل لا يقرأ أفكارك، ينبغي أن تشرح تفاصيل مشروعك بدقة درءا لسوء الفهم لاحقًا.
عليك أيضا الحرص على أن تكون المهارات المطلوبة في المشروع متسقة. لا تطلب من المستقل أن يصمم لك موقعًا ويكتب المحتوى في الوقت نفسه. الأفضل أن تقسم العمل إلى مشروعين وتوظف مستقلين، أحدهما يصمم الموقع، والآخر يُعِد المحتوى.
العمل الحر خيار مهني جذاب له الكثير من المزايا والحسنات. إن كنت تفكر في دخول مجال العمل الحر فقد اخترت الوقت المناسب، وأفضل مكان لتبدأ منه هي منصة مستقل. وهي أكبر منصة عربية للعمل الحر، تتميز بقدر عال من الاحترافية لا تقل عن نظيراتها الأجنبية، بل تفوقها. فكم من مرة ذهبت إلى منصات العمل الحر الأجنبية لأجرب العمل هناك، ثم أعود دائما إلى مستقل نظرًا لاحترافيته وسهولة العمل فيه. إنه لأمر مبهج أن ترى شركات عربية تضاهي نظيراتها الأجنبية، بل تتفوق عليها.
تم النشر في: ديسمبر 2020
تحت تصنيف: قصص نجاح | قصص نجاح المستقلين
بوركت أخي محمد على النصيحة والثناء.
كان بودي لو تقترح علي مجالات في الدخل السلبي (الدخل المريح على حد رأيي، فكلمة السلبي لا أظنها عبارة لائقة)
مرحبا عبد الرحمان، شكرا لك.
ما شاء الله، أنت متعدد المواهب، وهو أمر مثالي في المستقل، فكلما كثرت مواهب المستقل، فُتِحت أمامه أبواب كثيرة وفرص للعمل.
أنصحك أن تعتني بمعرض أعمالك، لديك الكثير من المهارات، لذا احرص على إضافة عمل يبين تميزك في كل مهارة، وحبذا لو تنشئ أعمالا تجمع بين عدة مهارات.
كما قلت في المقال، البداية هي الأصعب، ليس لدي شك أن شخصا بمثل مهاراتك سيشق طريقه بحول الله في مجال العمل الحر وينجح فيه.
أعجبني البيت الشعري، أنت موهوب حقا.
شكرا لك أخي حسام، أرجو لك التوفيق أنت أيضا
السلام عليكم..
أنت مُلهم ومبدع وخبير يا محمد، كثيرا ما التقينا في عروض المشاريع، لا أظنك تَذكُرني فأنا جديد في مستقل (3 أشهر)، وكثيرا ما راجعت حسابك وكنت منبهرا بإنجازاتك. مقالك هذا ممتاز وصادق وإبداعي بامتياز، رحم الله من ربّاك وعلمك، لو تمكنت من التواصل معك لأستفيد من خبرتك في مجال الدخل السلبي..فمهاراتي كثيرة لكن الوظيفة التقليدية أخذت نصف عمري..فأنا دكتور في اللغة والأدب ومهندس حاسوب وشاعر وقاص ومدقق وحافظ للقرآن بالأحكام، ولكن لا أجدني أستغل إلا جزءا يسيرا من هذه المهارات. فلو استطت أن تعينني أكن لك من الشاكرين.
أَ كنتَ محترفا في الدخل أو هاوِ ** فانصتْ لخبرة شبل يدعى “ميداوي”
تحياتي على رحلتك الناجحة والملهمة ونصائحك الطيبة المخلصة وارجو لك كل التوفيق