التسويق الموجه بالرؤى

التسويق الموجه بالرؤى أو التسويق الموجه بالأفكار Insight Driven Marketing هو استخراج رؤى وأفكار من تحليل البيانات تساهم في صنع استراتيجيات تسويقية رشيدة قابلة للتنفيذ. على سبيل المثال، عندما تحصل الشركة المزودة لخدمة الإنترنت على بيانات مثل إعادة العميل تشغيل جهاز الاتصال (الراوتر) الخاص به أكثر من 10 مرات في اليوم، فيتصل ممثل خدمة العملاء بالعميل للاستفسار عما إن كان يواجه مشكلة وكيف يساعده في حلها؟

ما هو التسويق الموجه بالرؤى Insight Driven Marketing؟

يقوم التسويق الموجه بالرؤى على فلسفة جوهرية وهي أن التسويق الناجح هو ذاك التسويق المخطط له جيدًا. ولتحقيق ذلك ينبغي الجمع بين مكونين اثنين وهما البيانات والفكر البشري. لا يهتم التسويق الموجه بالرؤى باستخراج البيانات بقدر ما يهتم باستخدام هذه البيانات للخروج برؤى وأفكار تترجم إلى قرارات تسويقية تُنفذ على أرض الواقع.

ظهر التسويق الموجه بالرؤى كأحد الاتجاهات التسويقية الحديثة ليقدم للمؤسسات حلولًا مبتكرة وذكية. وتنوعت مزايا هذه الاتجاه التسويقي مع ظهور عصر البيانات الضخمة، وما يُبشر به من سيطرة وتأثير على كل قرارات المستقبل، ليصبح تبنيه ضرورة أكثر من كونها ميزة تقدمها لشركتك.

ولأن نقطة البدء في التسويق الموجه بالرؤى Insight Driven Marketing هي البيانات، فمن المؤكد أن الشركات التي تعتمد على البيانات وتحليلها للخروج برؤى تسويقية جديدة ستكسب ميزة تنافسية تتفوق بها على الشركات الأخرى في صناعتها، خاصة إذا استخدمت حلول الذكاء الاصطناعي المناسبة للخروج برؤى سريعة للمستقبل.

كيف تستخدم التسويق بالرؤى في أعمالك؟

يعتمد نهج التسويق الموجه بالرؤى Insight Driven Marketing على عقلية التخطيط وتحليل البيانات، وتحويل المخرجات إلى حلول عملية تضمن تحقيق ما تهدف إليه الشركة في المستقبل، ولا غنى عن البيانات للتوصل إلى أفضل القرارات والحلول العملية الصحيحة. لكن، كيف يمكن أن تبدأ بنفسك بتطبيق هذا الأمر في مؤسستك أو في شركتك؟

1. إعداد قاعدة بيانات صحيحة

يعتمد التسويق الموجه بالرؤى على الحصول على البيانات الصحيحة ذات الصلة وتنظيمها بطريقة فعالة، لذلك ينبغي على المُسوّق التأكد من أن قاعدة بيانات الشركة جاهزة للمهمة وتستوفي الشروط الأربعة التالية:

  • بيانات رقمية شاملة

تحتاج الشركة إلى تجميع بيانات تفصيلية لتحسين استراتيجياتها التسويقية إلى أقصى قدر ممكن. قد تتضمن هذه البيانات معلومات الاتصال والنوع والموقع، والمؤهل الدراسي والعمل، وتاريخ عمليات الشراء، إلى جانب الاهتمامات والتفضيلات والحسابات الاجتماعية. إضافة إلى بيانات أخرى غير تقليدية كالبيانات المتعلقة بسلوكيات العملاء مثل: المكالمات الهاتفية مع خدمة العملاء، أو إجمالي عدد الأميال التي قطعها العميل بالنسبة لشركة تأمين السيارات.

  • بيانات منقحة ومنظمة

البيانات الصحيحة يجب أن تكون دقيقة ومحدثة، وعادة ما يتم النظر إلى بيانات العميل على أنها قديمة إذا لم يجرِ عمليات شراء أو تفاعل مع العلامة التجارية خلال آخر عدة أشهر. غير أن البيانات تتقادم في التسويق الموجه بالرؤى Insight Driven Marketing على نحو أسرع من ذلك، بالتالي تحتاج بيانات عمليات المشتريات والسلوك والتفاعل إلى تحديث مستمر فوري أو شبه فوري.

كذلك تحتاج قاعدة البيانات إلى تنظيف من وقت لآخر. مثلاً الرسائل الدورية التي تُرسل إلى المشتركين الخاملين منذ فترة، تكشف عما إذا كانت بيانات هذا العميل تستحق أن تبقى في قاعدة البيانات أم لا؟ إذ ينبغي حذفها إذا لم يستجب العميل بعد بضع محاولات. يساعد تنقيح قائمة العملاء بانتظام على إنتاج رؤى ذات صلة وتجعل البيانات أكثر سهولة في الإدارة.

بعد تجميع وتنقيح البيانات ينبغي دمج هذه الفيوض المختلفة في مكان واحد لإدارتها، يطلق عليها منصة إدارة البيانات وهي منصة مركزية تُمكّن الشركات من جمع وتنظيم بيانات الجمهور المستهدف سواء بيانات الطرف الأول أو الثاني أو الثالث من أي مصدر عبر الإنترنت أو الهاتف.

2. تدرَّج في استخدام البيانات

ينفق المسوقون ساعات لا تحصى في جمع البيانات ربما دون استراتيجية واضحة لتوظيف هذه البيانات في عملية اتخاذ القرار، سيناريو متكرر يؤدي إلى إصابتهم بالإرهاق الذهني لينتهي الأمر بعودتهم إلى اتخاذ القرارات بناءً على الحدس والافتراضات.

من أجل الخروج من هذه الدائرة المغلقة قد يكون التدرج حلًا مناسبًا، ابدأ بمجموعة بسيطة من مصادر البيانات الضرورية لاتخاذ قرار رشيد واطمئن إلى أنها ذات تأثير مؤكد لكي تحقق منها نتائج ناجحة صغيرة، ثم استنبط منها رؤية يتبعها عمل على أرض الواقع، بعد ذلك تدرج في دمج مزيد من مصادر البيانات الإضافية مع مرور الوقت.

3. حلّل البيانات

تحليل البيانات

تحليل البيانات في التسويق الموجه بالرؤى يعني دراسة البيانات بهدف الوصول إلى رؤى قيّمة وليس مجرد التعرف على الزيادة في أرقام المبيعات. أي التحليل الذي يسفر عن اكتشاف أفكار قابلة للتنفيذ والوصول إلى رؤى لامعة تدفع أداء الشركة خطوة للأمام. ويجب أن يسلط التحليل الضوء على البيانات التي تحسن الإيرادات وليس فقط تلك التي يسهُل قياسها.

على سبيل المثال عندما اكتشفت شركة ديش نتورك للخدمات التلفزيونية أن نسبة كبيرة من مبيعات الشركة تتم عبر مكالمات الهاتف مقارنة بتلك التي تتم عبر الإنترنت، وأن ما يقرب من نصف المشتركين الجدد يتواصلون هاتفيًا مع أحد ممثلي خدمة العملاء قبل شراء الخدمة؛ من أجل ذلك وضعت تحليل المحادثات الهاتفية كأولوية، وكان من نتيجة ذلك أن ارتفع معدل التحويل بنسبة 60%.

رغم أن من الأسهل قياس معدل فتح رسائل البريد الإلكتروني وزيارات موقع الويب، إلا أن التسويق الموجه بالرؤى يكثف الاهتمام بتحليل الأنشطة التي تترجم إلى مبيعات، وهو ما كان يعني لـ ديش نتورك  تحليل المكالمات الهاتفية بالطريقة نفسها التي يتم بها تحليل أي نشاط رقمي آخر.

4. وظّف حلول التعلم الآلى

التعلم الآلى هو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي الذي يتيح للحواسيب التعلم بدون تعليمات برمجية صريحة، يكشف التعلم الآلى عن رؤى هامة تجعل صورة التحليل أكثر اكتمالاً ويوفر سياقًا مهمًا لدراسة البيانات. مثلاً: لنفترض أنك ترغب في معرفة أفضل الصفحات أداءً على موقعك، ستخبرك الحلول التقليدية أن الصفحات (أ) و(ب) تحصد أكبر عدد من الزيارات.

لكن قد تختلف النتائج تماما إذا ضُيق نطاق التحليل ليركز على بلد معين. يستطيع التعلم الآلى إخبارك أن الصفحات (أ) و(ب) تحقق أداء جيدًا في السعودية، بينما تحقق الصفحة (ج) أداء أفضل في مصر، سيكشف لك التعلم الآلي رؤى كانت غائبة عنك ويتيح لك تخطيطًا أفضل لتحسين أداء صفحات موقعك لأقصى درجة في مواقع جغرافية مختلفة.

من الأدوات الأخرى التي تستخدم تقنية التعلم الآلى تلك الأدوات التي تمسح الشبكات الاجتماعية والمواقع الإخبارية بحثًا عن الآراء الإيجابية والسلبية حول العلامات التجارية مثل YouScan و BrandMentions وعلى الصعيد العربي تتطور أدوات مماثلة لمسح المحتوى المكتوب باللغة العربية.

5. إنشاء رسائل تسويقية مخصصة

من الأهداف الرئيسية التي يسعى التسويق الموجه بالرؤى إلى تحقيقها هي إرسال رسائل مخصصة ذات صلة بالعملاء، لما لها من تأثير تفاعلي عميق يصنع تجربة استخدام فريدة ذات قيمة تعزز من ولاء العميل للعلامة التجارية.

يتطلب التخصيص إلقاء نظرة ثاقبة على البيانات وصياغة أكثر من شخصية للمشترين. على سبيل المثال: لنفترض أن أحد المتاجر لاحظ أن العملاء المرشحين لعدم الشراء مجددا ينقسمون إلى شخصيتين: أولهما عميل يشترى منتجات عديدة من أقسام مختلفة، والآخر تقتصر مشترياته على قسم الملابس الرياضية. وبالتالي تحتاج كل من الشخصيتين محتوى تسويقي مختلف يناسب سلوكهم الشرائي.

قد يأخذ التخصيص أشكالا أخرى منها: تناسب العروض مع اهتمامات العميل وتفضيلاته وعاداته في التسوق وأي معلومات أخرى تعرفها عنه. كذلك يعني ألا تخصص حملات التسويق عبر البريد الإلكتروني بناء على نوع أو بلد المستلم فقط، بل يعني استخراج رؤى من البيانات تخبرنا هل التسويق عبر البريد الإلكتروني هو أفضل طريقة للوصول إلى هذا العميل أم لا في المقام الأول.

6. تكيَّف سريعا مع أي تغيير في البيانات

بالعودة إلى مسألة التنقيح التي أشرنا لها في شروط قاعدة البيانات، يُستخدم التسويق الموجه بالرؤى Insight Driven Marketing البيانات المنقحة لرسم التفاعلات التي يجب حدوثها مع العميل بما يساعد الشركة على تجنب القيام بسلوك خاطئ معه. لنفترض أن عميلاً اشترى منتجًا مؤخرا ثم أبلغ عن شكوى إلى خدمة العملاء.

في الظروف العادية سيتلقى العميل خلال بضع ساعات من عملية الشراء رسالة على بريده الإلكتروني تدعوه إلى ترك تقييم وكتابة مراجعة عن المنتج، لكن إذا حُدِثت بيانات العميل واستُخرج رؤى من نتيجة مكالمته مع الدعم الفني وتم التكيف السريع معها؛ ستتمكن من إيقاف إرسال هذه الرسالة التلقائية التي تثبت أن الشركة غير مدركة لشكوى العميل وستوفر على علامتك التجارية إضافة مراجعة سيئة من عميل غير راضٍ.

لم يعد كافيا أن تقوم بدور المراقب والمتتبع فحسب للبيانات الرقمية، لكن في ظل البيئة الاقتصادية سريعة التقلب بين عشية وضحاها ينبغي أن تستند عملية صنع القرار إلى الحقائق والبيانات المؤثرة في الإيرادات، وهو ما يفسح المجال أمام التسويق الموجه بالرؤى لكي يستخدم تلك البيانات ويحللها بذكاء للوصول إلى رؤى تتوغل بتأثيرها في دورة حياة الاستثمار بالكامل بدءا من التخطيط وحتى التقييم.

تم النشر في: التسويق الإلكتروني