في عام 2016، بدأت رحلتي الاحترافية في العمل الحر، فقد كان مصدرًا إضافيًا للدخل إلى جانب عملي اليومي. بعد عامين من العمل الجاد على مشاريع متعددة مع عملاء متنوعين، تولدت لدي الرغبة في التوجه كليًا إلى العمل الحر والاعتماد عليه كمصدر أساسي للدخل بدلًا من الوظيفة.
لم ينبع هذا القرار من كراهيتي للوظيفة، إنما لقناعتي بأن هناك فرصًا أفضل في العمل الحر، على المستويات المادية والمهنية والشخصية. ببساطة، لأنه يمنحني حرية اختيار المشاريع التي أعمل عليها، وتضيف إلى مهاراتي وتثري مساري المهني فعلًا، وفي الوقت نفسه تحقق لي دخل أكبر. فضلًا عن المرونة التي يتيحها لي، وتجعلني أحقق التوازن بين عملي وحياتي الشخصية.
لذا بدأت التخطيط لتنفيذ هذه الخطوة، وفي عام 2020 أتممتها، خطوة كانت الأهم في رحلتي المهنية! بالطبع لم تكن رحلة سهلة أبدًا، لكن ما احتجته هو إدارة هذه المخاطرة عبر التخطيط الجيد لها، والسير في الطريق الصحيح للتنفيذ. واليوم أظن أنها نجحت بالفعل. إذن، كيف أصبح العمل الحر مصدرًا أساسيًا لدخلي؟ وكيف يمكنك أنت أيضًا فعل ذلك؟
في البدء كان التخطيط: أين أنا الآن؟
يختلف العمل الحر اختلافًا جذريًا عن الوظيفة، وكان هذا هو التحدي الأول بالنسبة لي. في الوظيفة، أنا أؤدي مهام محددة وأضمن وصول الراتب إليّ شهريًا في الموعد المحدد، بغض النظر عن حجم العمل، فلا حاجة لي للقلق بشأن استمرارية الدخل.
في العمل الحر الأمور مختلفة تمامًا، لا يمكن من البداية ضمان مصادر الدخل الثابتة، وإن كنت قد اكتشفت حلًا لهذه المعضلة سأعود إلى ذكره لاحقًا. المهم أن العمل الحر يتطلب تخطيطًا محكمًا، ويختلف الدخل الشهري بناءً على عدد المشاريع المنجزة وجودة العمل المقدم.
لذا، كانت الخطوة الأولى في الرحلة هي تقييم الوضع الحالي جيدًا، بدايةً من مراجعة مستوى الدخل الذي أحققه من العمل الحر حاليًا، وقاعدة العملاء الذين أعمل معهم، وتحديد إذا كنت بحاجة إلى عملاء آخرين للتوسع في الدخل.
منحني هذا التقييم رؤية واضحة عن الوضع الحالي، وبناءً على ذلك أمكنني اتخاذ قرار التحول، ووجدت وقتها أن الأفضل هو التحول التدريجي خطوة بخطوة، وهذا ما جعلني أنتظر حتى عام 2020 إلى إتمام هذه الخطوة. بالطبع ليس شرطًا أن يستغرق الأمر مدة محددة، لكن الفكرة في تقليل المخاطرة واتخاذ الخطوة في الوقت المناسب بناءً على خطة واضحة المعالم.
الاستثمار في منصة واحدة
يمكن ممارسة العمل الحر بطريقتين رئيستين، إمّا عبر منصات العمل الحر التي تعمل وسيطًا بينك وبين العملاء، أو من خلال شبكات التواصل المهني أو حتى الاجتماعي. وكان السؤال الأول الذي يطرح نفسه عليّ وقتها: أيهما سأختار؟
بعد تجربة لفترة من الوقت، وجدت أن الأفضل هو التركيز على منصات العمل الحر، لأن هذه المنصات توفر دعمًا لوجستيًا مختلفًا وتساعد في الوصول إلى العملاء المستهدفين دون عناء. وهنا ظهر سؤالًا ثانيًا: هل سأعمل على منصة واحدة أم أستهدف أكثر من منصة؟
نظريًا، استهداف أكثر من منصة يعني فرصًا أكبر لتحقيق الدخل. لكن ما اكتشفته في أرض الواقع هو أن الأفضل هو التركيز على الاستثمار في منصة واحدة لسببين:
- أولًا: جنبني هذا تشتيت الجهد بين المنصات المختلفة.
- ثانيًا: وجودي في منصة واحدة أتاح لي فهم أفضل الممارسات عليها، وساعدني على بناء حضور قوي بها نتيجة عملي المستمر.
وبعد دراسة أشهر منصات العمل الحر والمقارنة بينها، وقع اختياري على منصة مستقل، ببساطة لأنها منصة العمل الحر الأكبر عربيًا، فهذا بالنسبة لي كان معناه قاعدة عملاء أكبر وفرص عمل أكثر على مشاريع متنوعة.
طوال عملي، حرصت دائمًا على تعلم أفضل الممارسات للنجاح على مستقل، لأن هذا هو الوسيلة الأساسية لتعزيز استثماري في المنصة، وهذه خلاصة ما وصلت إليه في رحلتي:
- اكتشفت أن التخصص الدقيق في العمل الحر أفضل من التخصص العام، وبالفعل نجحت في اختيار التخصص المناسب لإمكانياتي وقدراتي، وبما يحقق لي دخلًا أعلى.
- عرفت كيف يمكنني بناء حساب احترافي متكامل وإنشاء معرض أعمال يستقطب العملاء ويشجعهم على توظيفي من بين المستقلين الآخرين.
- تعلمت كيفية كتابة عروض احترافية ومقنعة للعملاء، حتى يخطف العرض نظر العميل من اللحظة الأولى.
- أدركت ضرورة الاستفادة من عضوية مستقل، فقد استثمرت في العضوية الاحترافية التي منحتني ميزة تنافسية حقيقية ومرونة لانتقاء المشاريع عالية القيمة التي تحقق لي دخل أعلى. فضلًا عن جعل حسابي على المنصة أكثر احترافية عبر إضافة المزيد من المهارات المتخصصة ونماذج الأعمال عالية الجودة إليه.
إجمالًا، الاستثمار في منصة واحدة مهم، والأهم هو التفكير في الكيفية المثلى لتحقيق أقصى فائدة ممكنة من هذا الاستثمار، وقد كان ذلك مفتاحي لجذب المزيد من العملاء، والمنافسة على المشاريع المميزة عالية القيمة، ما ساعد على تعزيز نجاحي في رحلة العمل الحر.
جودة عملي لا تغني عن ضرورة التزامي
تبدو فكرة الالتزام بديهية جدًا، أليس كذلك؟ لكن الحقيقة أن هذه الفكرة البديهية كادت تطيح بكل فرصي في العمل الحر. ففي بداياتي، واجهت تحديًا مع أحد العملاء، وكاد يتخذ قرارًا بإنهاء التعاون معي بسبب مشكلة في التزامي وقتها، وقال لي مقولته التي لا زالت عالقة في ذاكرتي حتى الآن: “جودة عملك لا تغني عن ضرورة التزامك”.
تمكنت من التعامل مع هذا الموقف وتداركه واستمر تعاوني مع هذا العميل حتى يومنا هذا. تعلمت في هذه اللحظة أن الالتزام هو جزء أساسي من جودة العمل ولا ينفصل عنه، وأنني مطالب بتنفيذ المطلوب مني في مواعيده باستمرار دون تأخير.
الخطوة الأساسية لتحقيق الالتزام كانت من خلال تحليل الأسباب الجذرية للمشكلة. وقد وجدت أن ما حدث سببه هو شعوري بالتشتت بين المشاريع المختلفة التي عملت عليها وقتها، وهذا التشتت نتج من عدم التخطيط لعملي جيدًا؛ فلم أعرف ما أحتاجه بالضبط لأحقق الدخل الذي أحتاجه، فكنت أقبل أي مشروع ظنًا مني أن هذا الحل المناسب للدخل.
لذا، هنا كان عليّ أن أنظر إلى التخطيط بعمق وشمولية. فالمسألة لا تتعلق فقط بتحديد مواعيد للعمل، بل تتضمن أيضًا: حساب الدخل الذي أحتاج إلى تحقيقه شهريًا، وعدد المشاريع التي يجب أن أعمل عليها، وكيفية تسعير أعمالي حتى أتمكن من تحقيق هذا الدخل.
بعدما تكونت لديّ رؤية واضحة عن حجم العمل الذي يناسبني، انتقلت إلى الخطوة التالية، وهي تنظيم مهام عملي في مكانٍ واحد لعدم نسيان أي تفاصيل، من خلال استخدام أداة أنا من حسوب، فأصبحت أسجل بها كل تفاصيل أعمالي ومواعيدها، مما ضمن لي الالتزام وتنفيذ المهام المطلوبة بنجاح.
مفتاح الدخل المستمر: كسب ثقة العملاء
هل تتذكر عندما أخبرتك أنني وجدت الحل لمسألة الدخل المستمر؟ هذا الحل على بساطته لكنه فعّال جدًا، وهو أن تكسب ثقة عملائك. هذه الثقة ستمنحك فرصًا متنوعة لتحقيق الدخل المستمر، فهي مفتاح حصولك على تقييم عالٍ، والتقييم هو رأس مالك في العمل الحر.
عندما ركّزت على كسب ثقة عملائي، منحني ذلك ميزتين رئيستين:
- الأولى: حفّز عملائي الحاليين على إعادة توظيفي للعمل معهم على مشاريع أخرى في المستقبل، وجعلني خيارهم الأول كلما احتاجوا إلى تنفيذ أعمال جديدة.
- الثانية: منحني الفرصة لتطوير عملي، وهذا ساعدني على الوصول إلى عملاء أعلى قيمة، يقدرون عملي ويدفعون مقابلًا ماديًا أكبر للتعاون معي من أجل تنفيذ أعمالهم.
وبالطبع، كسب ثقة العملاء ليس أمرًا سهلًا، لكن مع التجربة المستمرة وجدت أن الطريق الأنسب لتحقيق ذلك يتمثل في النقاط الآتية:
- التركيز على تقديم حلول ومقترحات إضافية في أثناء التعاون، لا الاكتفاء بأداء دور تنفيذ للمطلوب فقط.
- التواصل الاحترافي والسلس مع العميل في أثناء فترة العمل.
- التركيز على فهم احتياجات العميل وطريقة تفكيره، لأن ذلك يجعله في غنى عن توضيح تفاصيل كثيرة في العمل لاحقًا.
- الحفاظ على إنجاز المشاريع بجودة عالية في الوقت المحدد في كل مرة.
- المرونة في التعامل مع متطلبات العميل وتعديلاته، وتقبّل التغيرات في العمل.
- الصدق والوضوح في العمل وأي تفاصيل متعلقة به.
بالفعل، اعتمدت تطبيق هذه النقاط، وهذا أكسبني ثقة العملاء وجعلهم ينظرون إليّ بصفتي عنصرًا مؤثرًا في أعمالهم، يلجأون إلي متى احتاجوا إلى إنجاز مشاريع جديدة في نطاق تخصصي، حتى ولو بعد سنوات. وبمرور الوقت، تمكنت من استقطاب عملاء أكثر، وهذا ساعدني على زيادة الدخل الذي أحققه، مما منحني الاستقرار المالي والنفسي.
التسويق الذاتي وبناء هويتي الرقمية
صحيح أنني على مستقل أجد العملاء المحتملين لخدماتي، لكن هذا لم يمنعني من التسويق الذاتي وبناء هوية رقمية احترافية تعبّر عني، والتواجد في المجتمعات التي تهم جمهوري، سواءُ على مواقع التواصل الاجتماعي أو في المجتمعات المتخصصة على حسوب I/O.
فقد حرصت دائمًا على مشاركة خبراتي مع الجمهور، وركزت على فعل ذلك باستمرار وبمنهجية وخطة واضحة، تمثلت في فهم احتياجات العملاء، ومشاركة خبرات في موضوعات ذات صلة باحتياجاتهم، أو بالإجابة على الأسئلة التي يطرحونها في هذه المجتمعات.
سريعًا، أتت هذه العملية بثمارها المنشودة، فوصلتني العديد من المشاريع الخاصة على مستقل، وتلقيت طلبات متعددة من العملاء لتنفيذ مشاريعهم، وبالفعل تعاونت معهم من خلال مستقل أيضًا لضمان حقوقي، وفي الوقت نفسه تعزيز قوة حسابي على المنصة لزيادة فرصي في اقتناص المزيد من المشاريع المنشورة عليها. هذه الخطوة ساعدت في توفير فرص إضافية لتحقيق الدخل المستمر.
ختامًا، عندما أنظر إلى ما مضى، أشعر بالسعادة لاتخاذي هذا القرار والاعتماد على العمل الحر مصدرًا أساسيًا للدخل. قد تبدو الرحلة مخيفة أحيانًا، ولا شك أن بها تحديات عديدة، لكنها ممكنة حقًا ما دمت ستتعلم كيفية فعل ذلك بالشكل المطلوب.
تم النشر في: أكتوبر 2024
تحت تصنيف: العمل الحر | نصائح للمستقلين
الحمد لله من قطاع غزة ما زلنا في المحاولة يوم بعد يوم رغم الظروف الصعبة للاستمرار بالعمل الحر، وخاصة على منصة مستقل يا رب تكون دائما معنا وتساعدنا في الإبداع والاستمرار