ماذا تعرف عن الكساد الاقتصادي؟

تخيّل أن تستيقظ في الصباح، لتجد أن كلّ الأموال والأصول التي جمعتها في حياتك أصبحت لا تساوي شيئًا، بالتأكيد يبدو هذا التخيّل أشبه بالمستحيل، ولكن هذا ما حدث فعلًا في فترة الكساد الاقتصادي العظيم في الولايات المتحدة الامريكية، ولكن ما هو معنى الكساد الاقتصادي بالتفصيل، وما هي أسبابه، وهل يمكن أن يكون هناك آثار إيجابيّة له؟

جدول المحتويات:

ما هو الكساد الاقتصادي؟

الكساد الاقتصادي هو ركود اقتصادي يستمر لبضعة سنوات في الوضع الاقتصادي العام في البلاد، حيث يتقلص الاستثمار، وتهبط الأسعار لمستوى أقل من الطبيعي، ويتم تقييد الائتمان، إضافة لانخفاض الإنتاج وزيادة معدل البطالة، ويكون الكساد الاقتصادي هو الأمر الأسوأ بالنسبة للشركات والمؤسسات لأنه يتسبب لها بالإفلاس، كما يكون الاقتصاد سببًا رئيسيًا في انخفاض إجمالي النتاتج القومي بالكامل.

أسباب الكساد الاقتصادي

عادةً ما يحدث الكساد الاقتصادي بسبب مجموعة من العوامل التي تتطور مع الزمن، لتحدِث ركودًا اقتصاديًا في البداية ومن ثم يتحول هذا الركود إلى حالة كساد، ويمكن التنبؤ بالكساد الاقتصادي في حال حدوث مجموعة من الأسباب ومنها:

أولًا: انكماش الأسعار

عندما تبدأ أسعار الأصول أو المواد الاستهلاكية بالانخفاض يمكن أن يكون هذا الأمر من مسببات الكساد الاقتصادي! على الرغم من أن فكرة انخفاض الأسعار تبدو جيّدة، لأن الناس سيتمكنون من شراء المزيد من الأشياء حينها، إلا أن الحقيقة تكون أن الأسعار انخفضت بسبب انخفاض الطلب على البضائع بنفس الوقت، وهذا مؤشر لانخفاض قدرة المستهلك الشرائيّة.

ثانيًا: زيادة الفائدة على القروض

في بعض الأحيان يمكن أن تلجأ البنوك إلى رفع الفائدة على القروض من أجل حماية قيمة العملة من الانخفاض، ولكن في بعض الحالات يمكن أن يتسبب هذا القرار بالمزيد من الركود الاقتصادي وانخفاض في قيمة العملة، كما أن الاستثمارات ستقل بسبب ارتفاع سعر الفائدة، أي أن هذا السبب يمكن أن يجر مجموعة من الأسباب الأخرى التي تؤدي في النهاية لحدوث كساد اقتصادي.

ثالثًا: انهيار سوق الأسهم

عندما يفقد المستثمرون ثقتهم بالإنتاج، سيقل الطلب على سوق الأسهم، ما يؤدي إلى تراجعه. وباعتبار أن المستثمرين غالبًا ما يكونون الفئة الأكثر مراقبة للاقتصاد، فعندما يظهر أي انخفاض سريع في سوق الأسهم، فهذا يعني أن المستثمرين قد فقدو الثقة في الاقتصاد، مما يجعل هذا الأمر أحد أوضح مسببات الكساد الاقتصادي.

رابعًا: انخفاض التصنيع

كلّما ازداد الطلب على التصنيع، زاد الوارد الاقتصادي، وزادت طلبات التوظيف، وزاد الاستهلاك في نفس الوقت، لهذا عندما تقل طلبات التصنيع بالنسبة للمعامل، فهذا يعني انخفاض الطلب في الأسواق وانخفاض القيمة الشرائيّة للمستهلك، ما يعني جرّ المزيد من عوامل الركود الاقتصادي مثل البطالة، وتراجع حجم المنتجات. وتزيد احتمالية تحوّل الركود الاقتصادي إلى كساد اقتصادي، إذا استمرت فترة قلّة الطلب على التصنيع لمدّة طويلة.

خامسًا: تقييد الأسعار

على الرغم أن هذه الناحية إيجابية وتضمن عدم جشع التجار، إلا أنها مؤذية بشكل كبير لبعض الصناعيين والمنتجين، فعندما تتدخل الدولة لوضع الأسعار، وتفرض قيود كثيرة عليها، غالبًا ما تتأثر الشركات، وينخفض هامش الربح لديها، ما يجعلها بحاجة لتسريح المزيد من العمال وخفض الإنتاج لتفادي الخسائر، مما يؤدي في النهاية ليكون القرار الذي يفضي إلى التحسين لتدمير الاقتصاد!

سادسًا: ارتفاع أسعار النفط

من المعروف، أن النفط يؤثر على كلّ السلع في العالم تقريبًا، لذلك عند حدوث أي تغيير مفاجئ أو رفع لسعر النفط عالميًا أو محليًا، يتأثر الإنتاج بشكل كبير، مما يفقد المشترين الرغبة الشرائية أملًا بتحسن الوضع. وبنفس الوقت، فارتفاع الأسعار سيجعل المستثمرين أقل ثقة بالوضع الاقتصادي، ما يؤدي إلى جميع عوامل الكساد الاقتصادي الأخرى.

سابعًا: قلّة الثقة بالحكومات

عندما يفقد المواطنين ثقتهم باقتصاد الحكومة، سيجعلهم يتصرفون بشكل أكثر حذرًا تجاه الاستهلاك والشراء، وسيتوقف المستثمرين عن شراء المزيد من الأصول والاستثمارات لعدم وجود أي مستقبل واضح للاقتصاد. وعندما يحدث هذا الأمر، يؤدي إلى ركود اقتصادي كبير، لهذا السبب تحاول الحكومات في أغلب الدول طمأنة المواطنين حول الوضع الاقتصادي حتّى في الأزمات.

مظاهر الكساد الاقتصادي

غالبًا ما تكون أسباب الكساد الاقتصادي واضحة، أو تكون سابقة لفترة الركود مباشرةً، ولكن يمكن التنبؤ بالركود أو الكساد الاقتصادي قبل مدّة طويلة نسبيًا، ولذلك يضع خبراء الاقتصاد مجموعة من الظواهر التي تحدث في البلدان قبل فترة الكساد الاقتصادي مباشرةًوتكون هذه الظواهر دليلًا شبه مؤكد لحصول ركود، وهذه العوامل هي:

1. تأخر ديون الائتمان

استخدام بطاقات الائتمان غالبًا ما يكون أمرًا مطمئنًا بالنسبة للعديد من الدول، لأن هذا الأمر يعني أن المستهلكين ينفقون بشكل كبير وهو مؤشر جيّد، ولكن تختلف دلالة هذا المؤشر تمامًا، عندما يصبح الناس متأخرين عن سداد ديون الائتمان، فهذا يعني أن حاجاتهم الاستهلاكية قد فاقت دخلهم، ما يمنعهم عن سداد الدين. وبذلك تتمكن المصارف والشركات من التنبؤ بالركود الاقتصادي حتّى قبل أشهر.

2. ارتفاع معدّل البطالة

غالبًا ما تصدر لوائح عالمية حول معدلات البطالة في كلّ دولة، ومن المعروف أن الدول التي تحوي أعلى معدلات البطالة تكون في وضع سيء اقتصاديًا، فازدياد معدّل البطالة يعني نقص في الطلب والتصنيع، وعندما يكون مؤشر البطالة في ازدياد في أي دولة ويرتفع عن الحد الطبيعي، فهذا يعني أن هذه الدولة على وشك الوقوع في حالة ركود اقتصادي.

3. انخفاض بيع العقارات

يكون هذا المؤشر ذو دلالتين، فالأولى هو انخفاض القدرة الشرائيّة لدى الأشخاص العاديين، ما يعني أنهم غير قادرين على شراء الأصول والعقارات، والدليل الآخر هو أن المستثمرين فقدوا ثقتهم بالاقتصاد، ما يجعلهم أكثر حذر من الاستثمار وشراء أصول جديدة، وأي ركود في سوق العقارات يعني أن الوضع الاقتصادي على وشك التوجه نحو الكساد.

4. التضخم

غالبًا ما ينظر إلى التضخم بنسب بسيطة إلى تحين الأوضاع الاقتصادية، ولكن التضخم الكبير في العملات سيفقد الناس ثقتهم بالاقتصاد، ما يجعلهم يدّخرون المزيد من الأموال على شكل عملات أجنبيّة أو معادن ثمينة، وبهذا الأمر سينخفض الطلب على شراء العملة، مما يعني تهور قيمتها وعند ظهور أول مؤشرات التضخم، فهذا الأمر يعني أن الاقتصاد غير ثابت ولا يمكن الوثوق به وإكمال الاستثمار والشراء.

الفرق بين الركود الاقتصادي والكساد الاقتصادي

في فقرات سابقة من هذا المقال تم استخدام المصطلحين “الكساد الاقتصادي” و”الركود الاقتصادي”. وعلى الرغم أن كلّ من المصطلحين يشيران إلى نفس الفكرة، و يمتلكان نفس الأسباب، إلّا أن هناك فوارق جوهريّة بين الكساد والركود. ويمكن تمييز النوعيين من خلال عدّة طرق:

1. المدّة الزمنية

بالنسبة للركود الاقتصادي، فهو عادةً انخفاض في الناتج المحلي، أو قلّة الطلب على السلع لمدّة ربعين من السنة فقط، وغالبًا ما يكون هذا الأمر طبيعيًا في أغلب البلدان، بل ويعد الركود الاقتصادي جزء طبيعي من دورة الإنتاج، وغالبًا ما يكون متوقعًا. أما بالنسبة للكساد، فهو الركود الذي يستمر لأكثر من عامين ولا يمكن اعتباره مظهرًا طبييعيًا أبدًا.

2. الحجم

عندما يحدث أي انخفاض في الناتج المحلي، يطلق عليه مسمى الركود الاقتصادي. أما بالنسبة للكساد، فهو لا يطلق على الظاهرة إلا في حال تخطي الانخفاض في الناتج المحلي نسبة 10%، وبنفس الوقت لا يمكن تسميته كساد اقتصادي إلا في حال استمرار الانخفاض لأكثر من عام واحد على الأقل.

3. التأثير

يؤثر الكساد الاقتصادي على كلّ من مستوى الفرد الشرائي والاقتصاد المحلي، ونادرًا ما يكون هناك تأثير عالمي للركود الاقتصادي، كما أن الشركات الكبيرة يمكن أن تتجاوز الركود الاقتصادي عن طريق استعداد الشركات للأزمات الاقتصادية أما في حالات الكساد، يمكن للشركات الكبيرة، ومهما كانت قوّتها أن تفلس وتتأثر.

كيف يمكن الاستعداد للكساد الاقتصادي ومواجهته؟

عمومًا، التغلب على الكساد الاقتصادي أو الاستعداد له هو أحد الأمور الضرورية التي يجب أن تقوم بها الحكومات. ولكن في نفس الوقت، يجب على الأفراد أيضًا التعامل بطريقة حكيمة مع الأموال لتجنب الخسارة في حال الأزمات الاقتصادية، وأبرز الحلول الحكومية للاستعداد للأزمات الاقتصادية هي:

1. خفض أسعار الفائدة

عندما تبدأ الحكومات والبنوك بفرض فوائد قليلة نسبيًا على القروض والاستثمارات فهذا يعني التشجيع للمستثمرين للقيام بالمزيد من المشاريع، أي أنها خطوة جيّدة للتغلب على الكساد الاقتصادي وضمان عدم وقوعه. أما بالنسبة للأفراد، يمكن استغلال هذه الفترات من أجل استثمار الأموال في مشاريع رابحة تزيد من القدرة الشرائيّة وتزيد من الملاءة المالية الشخصية، ويمكن للأفراد الاستثمار بعدّة أشكال مثل:

2. خفض الضرائب

رغم أن سياسات بعض الدول تعتمد على فرض ضرائب عالية على الدخل للحفاظ على الاقتصاد، إلا أن بعض الدول الأخرى تقوم بعكس العملية وتخفّض الضرائب من أجل توفير دخل أعلى للأشخاص لترتفع لديهم القوة الشرائيّة ويزيد الاستهلاك! من أجل تأمين تصريف جيّد للبضائع والمنتجات في الأسواق وضمان عدم حدوث عجز لدى الأفراد.

3. الضمان المالي

تضمن بعض الحكومات الودائع المالية في المصارف، ما يعني أن المزيد من المصارف ستشجع على الاستثمار ولن يكون هناك أي ضعف بالثقة الحكومية من الناحية الاقتصادية، على الرغم من مخاطرة الحكومات في مثل هذه الحالة، إلا أمن هذا الحل غالبًا ما يكون ناجحًا.

فوائد الكساد الاقتصادي

يبدو العنوان غير منطقي في البداية، ولكن مع التجربة العالميّة مع الكساد العظيم، اتّضح أن للكساد الاقتصادية بعض الآثار الجيّدة على الاقتصاد، وتتعلق أغلب هذه النواحي بالجانب الفردي للأشخاص والسياسات الاستهلاكيّة، وأبرز هذه الفوائد:

أولًا: تحسين السياسات الاستهلاكية

عندما يوضع الأشخاص في مأزق مالي، تختلف السياسة الاستهلاكيّة لديهم، فيصبح الاستهلاك أقل بالنسبة للسلع الغير ضرورية، ويزيد التركيز على شراء الحاجيات الأساسية فقط. مما يعني هدرًا أقل لموارد الكوكب.

ثانيًا: تطوير عمليّات الإنتاج

تحاول أغلب الشركات زيادة حجم الإنتاج، ولو كان هذا الإنتاج غير متناسب مع الاستهلاك، ولكن في حالات الكساد الاقتصادي، تبدأ الشركات بإنتاج السلع بشكلٍ صحيح دون الحاجة لإنتاج فائض، وبهذه الطريقة ستصبح الشركات أكثر قدرة على استيعاب حجم الإنتاج اللازم دون أي فائض، ما يعني خسائر أقل للمؤسسات.

ثالثًا: تحسين السياسات الاقتصاديّة

يؤدي الكساد الاقتصادي إلى تغيير الكثير من القوانين الاقتصادية في العالم، وأكبر مثال على هذا الأمر هو التغيير الكبير الذي حصل في سياسة الولايات المتحدة بعد فترة الكساد الكبير، وتحاول الدوائر الحكومية تحسين القرارات الاقتصادية من أجل التغلب على أي مشاكل ماليّة في المستقبل.

رابعًا: تطور الفكر الإداري

تتعلم إدارة المؤسسات الدروس الممتازة في إدارة الأزمات من حالات الركود والكساد الاقتصادي، كما أن علم الإدارة يتطوّر بناءً على التجارب الواقعيّة، ويكون الكساد الاقتصادي خير درس لهذه الجهات، من أجل تطوير أساليب أفضل لمواجهة الأزمات التي تعصف بالشركات.

خامسًا: زيادة الاستثمار

بالنسبة للمستثمرين، يمكن أن يكون الكساد الاقتصادي حلمًا! فكما ذكرنا سابقًا، تؤدي حالات الكساد إلى انخفاض هائل في أسعار العقارات والأصول، ما يتيح الفرصة أمام المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال لشراء المزيد من الأصول لتوسيع الأعمال، ولكن يجب أن يكون المستثمر ذو قدرة مالية عالية ليتحمّل فترة الكساد دون الإفلاس

كما تسعى بعض الشركات لشراء حصص كبيرة من الشركات الأخرى بأسعار زهيدة في فترات الكساد من أجل الحصول على أرباح مضاعفة بعد زوال الكارثة الاقتصاديّة، لأنه عند تحسن الوضع الاقتصادي ستعود قيمة الشركات لنفس الوضع السابق، ما يعني أرباح هائلة بالنسبة للمستثمر.

هل سيحصل كساد جديد في العالم؟

مع أن مصطلح الكساد الاقتصادي شائع للغاية إلا أنه أمر نادر الحدوث فعليًا، ففي التاريخ الحديث والمعاصر لم يحدث الكساد سوى مرّتين. المرة الأولى كانت الكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929 عندما انخفض الناتج المحلي بقدر أكبر من 50% والمرة الثانية حصلت منذ عدّة أعوام في اليونان، وبقيّة الأزمات كانت أشبه بركود اقتصادي مثل الركود العالمي عام 2008.

وبعد تجربة الكساد الكبير، يمكن القول أن حدوث الكساد الاقتصادي من جديد هو أمر مستبعد، لأن السياسات العالمية تعلّمت الدرس منذ تلك الفترة، ففي عام 1929 كانت السياسة الأمريكية خاطئة فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة، مما زاد الانكماش وقلّ الطلب، لذلك كانت الأسعار تنخفض بشكل رهيب في تلك الفترة دون أن تزداد القدرة الشرائيّة.

أما اليوم، تحرص جميع الحكومات على إدارة السياسات المالية والنقدية لعدم تكرار تجربة الكساد الاقتصادي، ما يعني أنه من المستبعد حدوث أي كساد اقتصادي في أي مكان من العالم في السنوات القادمة. ولكن بكلّ حال، يجب على الحكومات والأفراد زيادة الوعي حول مخاطر الكساد والبدء بالمشاريع التي من شأنها إنقاذ الوضع الاقتصادي من أي ركود محتمل.

ختامًا، سواء كانت البلاد تعيش في وضع من الرخاء الاقتصادي أو لا، يجب على الأفراد محاولة الاستثمار بشكل ناجح، للتغلب على الأزمات الاقتصادية، وفي نفس الوقت من أجل رفع المستوى المادي. وتعد مصادر الدخل السلبي هي أفضل استثمار ممكن لأنها تمكنك من تحقيق أرباح مستمرة مقابل مجهود بسيط وغير دائم.

تم النشر في: نصائح ريادية