التسويق الدفاعي: كيف تحافظ على مكانتك في السوق؟

تعلمنا قديمًا أنّ: “الوصول إلى القمة سهل، لكن الأصعب هو الحفاظ على البقاء هناك”. لا يقتصر الأمر في الوقت الحالي على الأفراد فقط، لكنّه ينطبق كذلك على الشركات والأعمال. بالطبع الوصول إلى القمة ليس سهلًا، لكنه مهما احتاج إلى مجهود، فإن الحفاظ على القمة يتطلب مجهودًا أكبر. لذا، فإنك بحاجة إلى استخدام الاستراتيجية التسويقية المناسبة، وقد يكون التسويق الدفاعي إحداها.

ما هو التسويق الدفاعي؟

يمكن تعريف الاستراتيجية الدفاعية على أنّها الإجراءات التي تقوم بها الشركات، من أجل حماية الحصة السوقية الخاصة بها. يستخدم التسويق الدفاعي أكثر بواسطة الشركات الرائدة في السوق، إذ تتعرض دائمًا إلى محاولات من الشركات الأخرى لمنافستها على موقعها، وانتزاعه منها.

إذا لم تنجح الشركة في تطبيق التسويق الدفاعي عن مكانتها، يعرّضها هذا إلى احتمالية فقد جزء من عملائها للمنافسين، وقد يصل الأمر إلى الخسارة الكاملة للعملاء، الأمر الذي قد يؤدي إلى نهاية العمل التجاري للأبد.

لذا، تستخدم الشركات التسويق الدفاعي كجزء رئيسي في الاستراتيجية التسويقية الخاصة بها، وتهتم دائمًا بالتفكير في كيفية الحفاظ على موقعها، والإبقاء على عملائها باستمرار. إذ لا يوجد ضمان لبقائها في المقدمة، سوى بالدفاع الدائم عن هذا الموقع. إلى جانب ذلك، يفتح لها هذا المجال النمو، إذ لا يقتصر الأمر في الحفاظ على العملاء الحاليين، لكن أيضًا جذب عملاء جدد، بالتالي يؤدي ذلك إلى تحقيق التوسع. لذا، تعد الاستراتيجية الدفاعية أساس النمو.

لم يعد الأمر يقتصر على الشركات الرائدة الآن. ففي العصر الرقمي، أصبحت جميع العلامات التجارية مطالبة بالدفاع عن حصتها في السوق. إذ يمكن للشركات الناشئة اعتمادًا على التكنولوجيا، اختراق الأسواق بشكل أسرع من الشركات المعتادة، وهذا ما يزيد من أهمية التخطيط الاستراتيجي للتسويق، والاعتماد على التسويق الدفاعي كجزء أساسي داخل الشركات.

قبل ظهور شركة نتفليكس Netflix، كانت شركة Blockbuster ناجحة في السيطرة على سوق أقراص الفيديوهات الرقمية DVD. لكنّها لم تتمكن من الصمود أمام نتفليكس التي نجحت في التفوق عليها، وأصبحت هي الشركة الرائدة في هذا المجال، بينما مع مرور الوقت توقفت Blockbuster عن العمل تمامًا. يوضح هذا المثال أهمية الاستراتيجية الدفاعية في كيفية الحفاظ على القمة.

ما الفارق بين التسويق الدفاعي والتسويق الهجومي؟

إذا كان الهدف من التسويق الدفاعي هو الحفاظ على الريادة في السوق، أو الحصة السوقية من بقية المنافسين. فماذا سيفعل المنافسون من أجل مواجهة هذا الأمر؟ سيسعى كلٌ منهم إلى دخول السوق الجديد بالتأكيد، ومحاولة الحصول على حصة سوقية خاصة بهم، وهذا هو التسويق الهجومي.

تستخدم الاستراتيجية الهجومية من الشركات الجديدة، في مهاجمة الشركات الموجودة حاليًا، وذلك لانتزاع جزء من الحصة السوقية وكسب عملاء لها. إذ يمكنها من خلال التسويق الهجومي الترويج للميزة التنافسية الخاصة بها، بالتالي تبدأ في حصد النتائج المرغوبة.

تتطلب الاستراتيجية الهجومية دراسة جيدة للمنافسين، ومعرفة نقاط الضعف الخاصة بهم، أو المساحات التي يمكن من خلالها الدخول إلى الأسواق وكسب العملاء. على سبيل المثال، إذا كانت نقطة الضعف هي مشكلة في أداء خاصية معينة مهمة للعملاء، تعتمد الشركات على تقديم حل مميز لهذه المشكلة، بالتالي يصبحون البديل الأساسي للعملاء.

بالعودة إلى المنافسة بين شركتي نتفليكس وBlockbuster، اعتمدت الأخيرة على تحصيل رسوم عند تأخر العملاء في إعادة أقراص الفيديو. بالطبع يمثل هذا أمرًا مزعجًا لهم. نجحت Netflix في تقديم نموذج مختلف لا يستخدم هذه الخاصية، وهو ما منحها تقدمًا على منافستها، إلى جانب بقية المميزات الأخرى، حتى تمكنت من التغلب عليها.

استراتيجيات التسويق الدفاعية

يتطلب التسويق الدفاعي عملًا مستمرًا، فالمنافسة جزء أساسي اليوم، ولا يمكن للشركات الانتظار حتى تُهدد مكانتها، بل لا بد من التعامل مع الأمر بطريقة استباقية. يمكن تقسيم أنواع استراتيجيات التسويق الدفاعية إلى نوعين رئيسيين:

1. أنواع الاستراتيجيات الدفاعية من حيث الهدف

لا يمكن للشركات تطبيق التسويق الدفاعي بالطريقة ذاتها كل مرة، إذ يختلف الأمر وفقًا للوضع الموجود في السوق، حتى لا يكون من السهل التنبؤ بدفاعاتها. لذا، تقسّم استراتيجيات التسويق الدفاعية من حيث الهدف إلى طريقتين:

  • الاستراتيجية الإيجابية

تركز الاستراتيجية الإيجابية على كيفية التفكير في الحفاظ على العملاء الحاليين. تعد هذه الاستراتيجية تطبيقًا حقيقيًا على الاستباقية، فالشركة تفكّر في تقديم المميزات إلى عملائها، حتى لا يفكرون في الذهاب إلى المنافسين الآخرين.

  • استراتيجية القصور الذاتي

في النهاية لا يمكن منع المنافسة من الحدوث، بل يزيد عدد المشاريع الجديدة باستمرار، ومن أجل بقاء هذه المشاريع، فلا بد لها من الفوز بحصص سوقية جيدة. لذا، تركّز استراتيجية القصور الذاتي على مواجهة المنافسة، وتهدف إلى الإبطاء من خسارة العملاء لصالح المنافسين.

2. أنواع الاستراتيجيات الدفاعية من حيث الوسيلة

أيًا يكن الهدف الذي تركّز عليه الاستراتيجية الدفاعية، فهي تحتاج إلى الوسائل التي تساعدها في تنفيذ الهدف. لذا، تقسّم استراتيجيات التسويق الدفاعية من حيث الوسيلة إلى طريقتين:

  • استراتيجية التأخير

تعتمد هذه الاستراتيجية التسويقية على توجيه الجهود نحو نقاط قوة الشركة، لا سيما عند تطبيق الاستراتيجية الإيجابية. إذ تسعى إلى استثمار نقاط القوة وتقديمها إلى العملاء، بالشكل الذي يساعدها في الحفاظ عليهم. مثلًا، إذا كانت مميزة في السعر، تقدم خصومات كل فترة، وهكذا.

  • استراتيجية التكافؤ

تركّز هذه الاستراتيجية التسويقية على نقاط قوة المنافسين، التي تجذب العملاء إليهم، ثم تبدأ في مواجهة هذه النقاط. إذا عرض المنافس سعرًا أقل، تلجأ الشركة إلى تقليل أسعارها في المقابل. إذا قدّم المنافس ميزة إضافية، تفكر في إضافة خاصية مشابهة إلى منتجاتها، وهكذا.

5 طرق لتطبيق استراتيجيات التسويق الدفاعية

توجد العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها تطبيق التسويق الدفاعي، وفقًا لأهدافك ورؤيتك التسويقية. يمكنك المزج بينها، اعتمادًا على تضمين كل طريقة كجزء من خطتك التسويقية في التوقيت المناسب لها. من أهم طرق التسويق الدفاعي:

1. الهجوم الذاتي

من أهم استراتيجيات التسويق الدفاعية البدء بمهاجمة نفسك بنفسك! يعني ذلك تقديم منتجات أفضل من التي تملكها حاليًا، حتى تجعل منتجاتك الحالية تبدو وكأنّها قديمة. تمارس جوجل هذه الاستراتيجية دائمًا، رغم كونها تملك محرك البحث الأكثر شهرة، إلا إنها تحرص على تقديم منتجات جديدة باستمرار.

ليس هذا وحسب، بل تحافظ على تقديم ميزات جديدة طوال الوقت وتحسين تجربة المستخدم، بالتالي يمنحها هذا التفوق على المنافسين، ويجعلهم دائمًا في حالة ارتباك وعدم قدرة على مجاراة هذا الأمر. إذ كلّما يحاول المنافسون مواجهة تطوير أو خاصية معينة، تأتي جوجل لتقدم إضافة جديدة، فتجعل المنافسين في حيرة دائمة، وتبدو مجهوداتهم موجّهة نحو شيء قديم.

قد تكون هذه الطريقة مكلفة على الشركات، لأنّها تعمل باستمرار من أجل تطوير وتقديم منتجات جديدة، حتى إذا لم يكن هناك أي داعٍ لذلك، بالتالي ربما يتأثر هامش الربح الخاص بها. لكن، يساعدها ذلك في ممارسة التسويق الدفاعي والحفاظ باستمرار على حصتها السوقية على المدى البعيد.

2. إيقاظ السوق النائم الخاص بك

في بعض الأحيان تشعر الشركات بالرضا عن حصتها السوقية، وتتوقف عن محاولات النمو. لكن قد يترتب على ذلك دخول منافس لتهديد هذه الحصة، واستغلال الوضع لصالحه. هذا ما حدث مع شركة Tylenol التي كانت رائدة في سوق مسكنات الألم، التي لا تحتوي على الأسبرين. عندما حاولت شركة Datril تحديها، استجابت لها بالشكل الصحيح.

نجحت في إيقاظ السوق، وتوجيهه نحو بدائل الأسبرين، حتى نجحت في التغلب على منافستها، وأصبحت هي الرائدة في جميع مسكنات الألم التي تصرفه بدون وصفة من الطبيب، بما في ذلك الأسبرين. لكن هل تستخدم هذه الطريقة فقط عند التسويق الهجومي من الشركات الأخرى؟

الإجابة على هذا السؤال هي لا. ليس عليك الانتظار حتى تتعرض شركتك للهجوم، ثم تبدأ بعد ذلك في الدفاع، فالخسائر قد تكون أكبر في هذه الحالة. يمكنك العمل على إيقاظ السوق من فترة لأخرى، من خلال إنشاء حملات تسويقية، تساعدك في الحفاظ على عملائك الحاليين، وجذب عملاء جدد، بالتالي تحقيق النمو، وضمان القدرة على مواجهة المنافسة قبل حدوثها.

3. تحسين أو تطوير منتجك

يتطلب التسويق الدفاعي أحيانًا إجراء تحسين أو تطوير في المنتج، من خلال إضافة خصائص جديدة، أو تعديل الموجودة حاليًا، وذلك لمواجهة ما يقدمه المنافسون. هذا ما فعله فيسبوك عندما قدّم ميزة جديدة وهي “الأصدقاء المقربون” لمواجهة خاصية الدوائر من جوجل بلس، لتتمكن من خلالها المحافظة على المستخدمين.

وهو ما فعلته ستاربكس أيضًا، إذ لم تكن هي أول من يقدم خدمة إنترنت WiFi مجانية لزوارها، بل اعتادت على تطبيق رسوم لمستخدمي الخدمة عند عدم شرائهم أيًا من منتجاتهم. لكن عندما قدّمت المقاهي الأخرى هذه الخدمة، ولاحظت ستاربكس انخفاضًا في إيراداتها، لجأت إلى تقديم الخدمة بصورة مجانية وأسرع من المنافسين.

لكن بالطبع لا يعني ذلك إجراء تعديلات كبيرة على منتجاتك لدرجة تمحو هويتها للعملاء الحاليين، ويجعلك مهددًا بخسارتهم مثلما فعلت شركة كوكاكولا. إذ غيرت طعم مشروبها وحاولت تقديم مذاق مقارب لبيبسي لجذب مستهلكي الأخيرة، أتى ذلك بنتائج عكسية. فاضطرت الشركة العودة للطعم الأصلي إرضاءً لعملائها، وحفاظًا على مكانتها الحالية، بدلًا من محاولة جذب عملاء بيبسي.

4. تعديل أسعارك

تعد هذه الاستراتيجية الدفاعية الأكثر شهرة، وكذلك تستخدم في التسويق الهجومي. إذ تعد المنافسة على السعر هي الأسهل بالنسبة للعديد من الشركات، لا سيّما مع اهتمام العملاء بذلك. لكن لا يعني هذا بالضرورة خفض الأسعار. هناك أربع خيارات فيما يتعلق بتطبيق التسويق الدفاعي من خلال السعر:

  • خفض الأسعار: تلجأ الشركات إلى خفض الأسعار ردًا على أسعار المنافسين أو للتغلب عليها، وذلك الحفاظ على المستخدمين. يجب تطبيق هذه الطريقة بحذر بالطبع، إذ تقل أرباح شركتك نتيجة الانخفاض في هامش الربح، لذا لا بد من فعل ذلك لفترة مناسبة.
  • زيادة الأسعار: على العكس يمكنك زيادة الأسعار، عندما ترغب في تصنيف شركتك كخيار يجعل العملاء يشعرون بالتميز أو الحصرية. على سبيل المثال، تقدم شركة أبل أسعارًا أعلى من منافسيها.
  • الحفاظ على الأسعار كما هي: بدلًا من إجراء أي تعديل على الأسعار، يمكنك الحفاظ عليها كما هي، مع تضمين قيمة مضافة لمنتجاتك أو خدماتك، تمنح المستخدمين المزيد من الفوائد. على سبيل المثال، يمكن لشركات التخزين السحابي تقديم المزيد من وحدات الجيجابايت للتخزين بالسعر ذاته.
  • تقديم نموذج تسعير جديد: يمكن للشركات محاولة تقديم نموذج تسعير جديد، مثل الخدمات التي يمكن الحصول عليها بالاشتراك.

5. الإعلانات

تعد الحملات التسويقية من أشهر استراتيجيات التسويق الدفاعية المستخدمة لمواجهة المنافسين الجدد. يمكن لك الاعتماد على هذه الطريقة في التسويق الدفاعي، عندما يكون لديك علامة تجارية مميزة في السوق، يعرفها المستخدمون جيدًا.

سيكون بإمكانك الاستفادة من أرباحك السابقة في تمويل هذه الحملات، وهو ما يجعلك في موقع أفضل من المنافسين الجدد، الذين لا يزالون يشقون طريقهم في السوق. بالتالي، عندما تستخدم جزءًا أكبر من إيراداتك للإعلان، حتى إذا كان المبلغ أكثر من المعتاد، سيمنحك هذا أفضلية وانتشار أكبر منهم.

لا يقتصر الأمر على تخصيص الميزانية التسويقية، لكن على طريقة إنفاقها كذلك. في هذه المرحلة، من الأفضل توجيه الإعلان للتركيز على نقاط قوتك وكذلك نقاط ضعف المنافسين، لا التوعية بعلامتك التجارية، إذ من المفترض هذا شيء يعرفه الجمهور بالفعل.

كيف يمكنك تطبيق التسويق الدفاعي؟

تحتاج الاستراتيجية الدفاعية إلى تخطيط جيد. يمكنك تطبيق التسويق الدفاعي عبر الخطوات الثلاثة التالية:

  1. اختيار وسيلة المنافسة: ما هو الشيء الذي يميزك لدى الجمهور؟ هل هي علامتك التجارية، أم شهرتك في قيمة معينة تقدمها إلى العملاء؟ من خلال تحديد هذه الميزة، سيكون بإمكانك الاعتماد عليها في خطتك الدفاعية.
  2. تضمين الطرق الملائمة: ليس ضروريًا استخدام جميع طرق التسويق الدفاعي معًا. من ناحية، لا يمكن فعل ذلك لاحتياجه لمجهود كبير وتكلفة عالية، ومن الناحية الأخرى لا تحقق جميع الطرق الفاعلية ذاتها. بالتالي، يمكنك اختيار أفضل الطرق وفقًا لوسيلة المنافسة التي قررت الدفاع من خلالها.
  3. التوقيت المناسب: في النهاية، الاستراتيجية الدفاعية هي واحدة من أنواع استراتيجيات التسويق التي تستخدم في التسويق. بالتالي لن يكون من الملائم تطبيقها طوال الوقت. لذا، فالأفضل هو اختيار التوقيت المناسب لتطبيق إجراءات التسويق الدفاعي، بما يتوافق مع وضع السوق.

ختامًا، تحتاج قيادة السوق أو الحفاظ على الحصة السوقية، إلى بذل الكثير من الجهود التسويقية لتحقيق ذلك. لذا، عليك الانتباه إلى تغيّرات السوق جيدًا، ومراقبة المنافسين والاستعداد لهم حتى قبل ظهورهم، من خلال التسويق الدفاعي المستمر، حتى تنجح في تحقيق هدفك والحفاظ على مكانتك في السوق.

تم النشر في: التسويق الإلكتروني