عام 2003 ادعت إليزابيث هولمز اختيار فكرة مشروع من أكثر أفكار المشاريع براعة في تكنولوجيا الصحة، عن شركة من شأنها أن تجعل اختبارات الدم أقل كلفة وأكثر ملاءمة ومتاحة للمستهلكين، وعدت الشركة (ثيرانوس Theranos) بسرعة أن تعطي عملاءها صورة كاملة عن صحتهم باستخدام كمية صغيرة من الدم فقط، وسرعان ما أصبحت هولمز وشركتها الناشئة ثيرانوس معبودتا وادي السيليكون، ثم تربعت الفتاة العشرينية صدارة قائمة فوربس لعام 2015 باعتبارها أغنى امرأة عصامية في أمريكا، بثروة تصل إلى 4.5 مليار$، وقدمت محادثات TED ذات شعبية كبيرة وظهرت على أغلفة فوربس و فورتشن.

بحلول عام 2013، بلغت قيمة ثيرانوس حوالي 10 مليارات دولار، بل اشتركت مع Walgreens  لوضع اختبارات الدم في المتاجر في جميع أنحاء البلاد، والمشكلة؟ تكنولوجيتهم لم تنجح، لم تقترب من العمل، لكن هولمز كانت جيدة في بيع رؤيتها ولم تتوقف حتى مع كون المرضى الحقيقيين يستخدمون “اختبارات” الشركة لاتخاذ قرارات بشأن صحتهم، في أغسطس 2018 أعلنت المحكمة إغلاق Theranos رسميًا، وتواجه هولمز هي وشريكها التجاري السابق الآن عقوبة السجن المحتملة بتهمة التزوير.

في عالم الأعمال ومن بين آلاف الأفكار التي تخطر ببالنا يوميًا (يمتلك الدماغ البشري ما يقرب من 50000 خاطرة في اليوم)، فإننا مُلزمون باختيار فكرة قوية للتركيز عليها وهو ما يمكن أن يكون تحديًا حقيقيًا، فأعظم فرصة للنجاح في المشاريع الريادية هي اختيار فكرة ألمعية ومناسبة لتكون مشروعك القادم. الخطأ الأكثر شيوعًا الذي يرتكبه رواد الأعمال هو أنهم يبدؤون بأي فكرة يعتقدون أنها قد تحقق النجاح، ولكن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تأخذها بعين الاعتبار قبل أن تضع فكرتك حيز التنفيذ في السوق، فما هي أهم النصائح قبل اختيار فكرة مشروع لشركتك؟

1. اختبر فكرتك

اختبار فكرة المشروع، والتحقق من ملائمتها يمكن أن يجنّبك الكثير من المتاعب، تحقق أن الفكرة واقعية، ويمكن تطبيقها، واكتشف ما الصدى الذي تتركه لدى قطاع ضيق جدًا من العملاء، اسأل الخبراء والمحللين في الصناعة حول فكرتك قبل أن تطلقها للعامة.

كشف جون كاريرو الصحفي الذي استقصى قصة شركة ثيرانوس كمراسل في صحيفة وول ستريت جورنال، وكان جزءًا لا يتجزأ من زوال الشركة من خلال تأليف كتابه الشهير: “الدم الخبيث: أسرار وأكاذيب شركة في وادي السيليكون”، أن ثيرانوس كانت تستخدم آلات اختبار الدم التقليدية، ولم يتم التحقق من صحة تكنولوجيا أجهزة اختبار الدم Theranos من طرف خبراء.

فكرة مشروع قد فشلت

لإقناعهم بجدوى فكرتها قامت هولمز بدعوة المستثمرين المحتملين إلى المختبر، حتى يتمكنوا من اختبار دمائهم على جهاز Theranos وتم برمجة الجهاز لإظهار مؤشر تقدم بطيء بدلًا من إظهار رسالة الخطأ، وعندما لم تظهر النتائج على الفور، أرسلت هولمز المستثمرين إلى بلادهم ووعدت بمتابعة النتائج، بمجرد مغادرة المستثمرين، أزال موظف عينة الدم من الجهاز ونقلها إلى محلل دم تجاري، ليختبر المستثمرون دمائهم من خلال الآلات نفسها المتوفرة في أي مختبر في البلاد، ولم يكن لديهم أي فكرة، أن الجهاز غير موجود أصلًا.

قد يهمك أيضًا: 10 أفكار مشاريع (من قائمة الشركات الأسرع نموا).

2. كيف ترى فكرة مشروعك في المستقبل؟

هل وضعت تصورًا ذهنيًا لما سيكون عليه مشروعك بعد بضع سنوات؟ ربما 5 أو 10 سنوات من الآن، هل اختيار فكرة مشروعك ستكون مجدية وقابلة للحياة والازدهار؟ هل هي فكرة أصلية وتتمتع بالمرونة الكافية للنمو والتكيف مع الوقت، هل تمتلك ميزة تنافسية أم ستدخل في السوق فقط لتتنافس مع مئات النسخ من فكرتك؟

من الضروري أن تتأكد من اختيار فكرة مشروع جيّدة بما يكفي على المدى الطويل، وأنها قادرة على النمو والتطور لتمهد الطريق للمزيد من الأفكار الجديدة والمبتكرة، بعض المنتجات على سبيل المثال لا تصلح إلا لفكرة زمنية محدودة، تأكّد أنك تنفق ميزانية المشروع على فكرة جديرة بالبقاء لفترة أطول، قم بإجراء أبحاث السوق لتستكشف جدوى الفكرة على المدى البعيد، وهل تنمو صناعتك أم أنها في حالة تراجع، وهل من المتوقع أن يستمر هذا النمو أم أن الشركة سيؤول حالها إلى ما آل إليه حال آلاف الشركات التي تُغلق أبوابها كل عام.

ووفقًا لـ  The Balance Small Business فإن مدى قابلية النشاط التجاري على النمو  والنجاح يقاس من خلال بقائه قيد الحياة على المدى الطويل وقدرته على الحفاظ على الربحية لفترة من الزمن، يمكن للنشاط التجاري البقاء على قيد الحياة عندما يكون قابلًا للتطبيق لأنه يستمر في تحقيق ربح سنوي عامًا بعد عام، وكلما طالت مدة بقاء الشركة مربحة، كانت نسبة قدرتها على الاستمرار أكبر.

3. هل تلائم فكرة المشروع احتياجات السوق؟

يقولون مهما كنت جزّارًا ماهرًا لن تتمكن من بيع اللحم في قرية يسكنها النباتيون، قبل تنفيذ واختيار فكرة مشروع، تأكد من أنك قد بذلت جهدك لتعرف إن كان هناك ما يكفي من الطلب على المنتج أو الخدمة في السوق. فمن أكبر الأخطاء التي قد يرتكبها رواد الأعمال، المباشرة بتنفيذ فكرة منتج/خدمة، لا يوجد أحد من العملاء على استعداد للدفع لشرائه، قبل إطلاق المشروع يجب أن تتأكد إن  كنت ستحظى بقاعدة عملاء كافية لدعم بقاءك ونموك على المدى الطويل.

ينبغي أن تتأكد من ملائمة المنتج لاحتياجات السوق، وقد حدد مارك آندرسن، المؤسس المشارك لشركة أندرسون هورويتز لرأس المال الاستثماري في وادي السليكون، المصطلح في مدونته لعام 2007 على النحو التالي: “تعني ملائمة المنتج لاحتياجات السوق أن تكون في سوق جيدة مع منتج يمكنه أن يُرضي ذلك السوق.”

ما هي المشكلة التي تحاول حلها في فكرة مشروعك؟ ومدى أهمية هذه المشكلة للسوق الذي تستهدفه؟ من المحتمل أنّ الناس لا يهتمون بهذه المشكلة إلى حد كبير، مما يعني أنها ليست مشكلة كبيرة بالنسبة لهم، وأن المستهلكين لن يحتاجوا إلى المنتج بشكل ملحّ ولن يكونوا حريصين على دفع ثمنه. فإذا كان المنتج يلبي الطلب القوي في السوق، فإنك بذلك تكون قد حققت المعادلة الصحيحة: المنتج الملائم للسوق الملائم.

4. يجب أن تكون شغوفا بالفكرة

“عليك أن تكون متحمسًا للفكرة، أو للمشكلة التي أمامك، أو الخطأ الذي تريد أن تُصوّبه، إذا لم تكن شغوفًا بما فيه الكفاية منذ البداية، فلن تلتزم به أبدًا” – ستيف جوبز

يعتقد الخبراء في عالم المال والأعمال أنك كلما كنت شغوفًا بفكرة مشروعك، كلما جنيت المزيد من النجاح والمال، ويُضرب المثل دومًا بأثرى وأنجح أصحاب الأعمال مثل: بيل غيتس، ستيف جوبز، وارن بافيت، مارك زوكربيرج.. إلخ، يكشف كارمين جالو صاحب كتاب: “أسرار الابتكار لدى ستيف جوبز”، في مقال عن مبادئ النجاح السبعة لستيف جوبز، الذي يحدد سبعة عوامل رئيسية مسؤولة عن نجاح الرجل الأول في شركة أبل، مستندًا إلى مقابلات متعددة مع موظفي شركة أبل وستيف جوبز نفسه، يكشف أن جوبز يؤمن بقوة الشغف، وقال ذات مرة: “الناس الذين لديهم شغفٌ يمكنهم تغيير العالم نحو الأفضل”.

لا يكفي أن تسمع عن فكرة مشروع، أو أن تكون هي الخيار الوحيد المتاح أمامك لكي تضعها قيد التنفيذ وتحقق بها النجاح المنشود، ينبغي أن تكون متحمسًا للفكرة، وأن تتمكن من السهر لساعات طويلة كل ليلة للعمل عليها دون أن تشعر بالملل أو الندم، الشغف بالفكرة يمنحك المزيد من الدعم والمثابرة والانضباط لتحقيق النجاح والقدرة على الصمود والصبر في مواجهة العقبات والتحديات. من المهم أيضًا أن تتناسب فكرة النشاط التجاري مع مهاراتك وخبراتك وخلفيتك ما أمكنك ذلك، أو ألا تمانع أن تتعلم عنها دون صعوبة، فالاستفادة من المهارات والخبرة التي لديك قد تزيد من فرص نجاحك.

أخيرًا، عندما تدرك أن اختيار فكرة مشروع ما ستكون جيدة بما يكفي وتناسب مهاراتك وخبرات، وأنك شغوف بها وأن هناك عملاء على استعداد للدفع مقابل منتج أو خدمة الفكرة، يجب أن تتذكر أن الفكرة هي مجرد خطوة أولى في طريق طويل وشاق من التنفيذ والعمل، وأن عليك أن تبدأ فورًا دون مزيد من التأجيل.

تم النشر في: نصائح ريادية