يعتقد الكثير من الناس أن كفاحهم ينتهي بمجرد التخرج من الجامعة والحصول على الوظيفة، لكنهم بذلك قد بدؤوا رحلة جديدة مليئة بالسعي نحو تحقيق متطلبات الحياة الكريمة. سرعان ما يشعر الشخص حينها بأنه عالق في دائرة مفرغة من كسب المال وإنفاقه، قد يبدو الأمر كأنه سباق عليه أن يستمر بالركض فيه لملاحقة المزيد دون وجود وقت لرغباته وهواياته. يُطلَق على هذا النمط من الحياة سباق الفئران، ويصعب الخروج منه مع مرور الوقت، فما هو بالضبط وما أثره؟
جدول المحتويات:
ما سباق الفئران؟
يتلخص معنى سباق الفئران بأنه نمط حياة مرهق قائم على مقايضة أغلب وقتك مقابل العمل من أجل تحسين الحالة المادية دون وجود تطور ملحوظ. تقوم عقلية سباق الفئران على ملاحقة أي وسيلة لكسب المال بشكلٍ يستنزف يومه ويعيقه عن الاستمتاع والراحة.
سمي هذا المصطلح استنادًا إلى الفأر الذي يركض في عجلة داخل قفصه، ولا يتحرك من مكانه مهما بذل من المجهود. وقد ظهر المصطلح أول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين مع بداية الحياة الحضرية التي تسحق الإنسان العامل لتوفير دخل لا يُذكر مقارنةً بالجهد المقدم، وفي المقابل وقتٍ شحيح للترفيه وممارسة الأنشطة الأخرى.
سلبيات سباق الفئران
أولًا: خلل التوازن بين العمل والحياة
يُبعد الغرق في ساعات العمل الطويلة والمجهِدة الشخص عن ممارسة أي نشاط آخر في حياته ويشتته عن أمور أخرى مهمة كالعائلة والأصدقاء والحياة الاجتماعية. حتى وإن كان عملك في محور سباق الفئران يوفر لك الدخل الكافي، لن يعد هذا نجاحًا إن كان السبب في حدوث خلل في شيء آخر هام غير المسائل المادية. تعد الموازنة بين العمل وغيره من الجوانب الأخرى أمرًا جوهريًا لعيش حياة مستقرة.
ثانيًا: الاحتراق الوظيفي
يسبب سباق الفئران إجهادًا شديدًا يؤدي إلى الشعور بالإرهاق الجسدي والعقلي حتى العاطفي، كل ذلك يُشعر الموظف بالاستنزاف وفقدان الطاقة التي تعينه على إكمال مهامه الحياتية أو الوظيفية اليومية، فيصل إلى حالة الاحتراق الوظيفي. يمكن أن تمثل هذه الحالة بمخاطرها خط نهاية لنشاطه وقدرته على الإنجاز، وعلى هذا يكون قد فقد جميع ما كان يلاحقه باستمرار خلال أيامه.
ثالثًا: سباق الفئران يقتل الإبداع
يتطلب العقل الإبداعي مساحة مريحة يستطيع فيها التفكير بحرية، عوضًا عن أنه لا يمكن ذلك إن كان الشخص يعاني الضغوط النفسية بسبب ساعات العمل. يعيق نمط سباق الفئران الشخص عن تفريغ عقله للإبداع والابتكار، وهو إلى ذلك يحول بينه وبين استكشاف أمور كثيرة قد تمثل إلهامًا وآفاقًا جديدة لأفكار إبداعية. يقتل استمرار الإنسان في هذا المسار إبداعه شيئًا فشيئًا، حتى ينتهي به الأمر بأن يكون آلة تنفذ ما يُطلب منها بحذافيره ليس أكثر.
نصائح للخروج من سباق الفئران
على من يعي سلبيات سباق الفئران أن يبدأ بأخذ خطوات جدية للخروج منه، فالمحافظة على در مبلغ مالي مناسب شهريًا مع إمكانية التفرغ للحياة أمر وارد وموجود، لكن كيف يمكن ذلك؟ إليك أهم النصائح:
1. حدد هدفك في الحياة
تتمثل الخطوة الأولى للخروج من سباق الفئران في تحديد ما تريد فعله حقًا في الحياة، كيف تبدو الحياة التي تحلم بها؟ ما هي وظيفة أحلامك؟ وكيف تقضي يومك؟ هل تود قضاء وقتٍ أكثر مع عائلتك وإعطاء بعض الوقت لنفسك ولهوايتك؟ يبدو هذا مغريًا وغير متوفر في حياة سباق الجرذان. تتعلق هذه الخطوة بإدراك مبتغاك ومقارنته بوضعك الحالي وإن كان يتناسب استمراره مع ما تسعى إليه، وسيجعلك تضع خُطَّة محكمة لتجعل الحياة الموجودة في عقلك واقعًا.
2. توقف عن شراء الكثير من الأشياء بلا جدوى
غالبًا ما تكون ثقافتنا في الاستهلاك هي التي تدفعنا إلى الخوض في سباق الفئران في المقام الأول، لذا يجب عليك تغيير علاقتك ونظرتك للمال والممتلكات. من الطبيعي أن تنفق الأموال التي عملت بجد لكسبها، ولكن تسليط اهتمامك على المادة وامتلاكها سيجعلها تمتلكك في النهاية، وتصبح بذلك فقير الوقت والروح ومعنيًا بتطوير حياة تعتمد على جني المال باستمرار، وعندما تبدأ بكسب المزيد، تنفق المزيد بلا هدف وهكذا في دائرة مغلقة.
اهتم بشراء الأشياء التي تضيف جودة لحياتك، فشراء الكثير بلا هدفٍ راقٍ وواضح يزيد من عبء الالتزامات المالية، تذكر أن تسأل نفسك دائمًا عند شراء شيء ما إن كنت تحتاج إليه حقًا؟ واعلم أن كل هذه الممتلكات لن تجلب لك السعادة على المدى الطويل، إنما هي نتيجة نظرة المجتمع القائمة على القيمة المادية ليس إلا، وأنت لست مجبرًا على اتباعها. أدر نفقاتك بذكاء وحذر.
3. ابدأ بالادخار
قد يعي أغلب الناس العالقين في سباق الفئران بمدى سوء أثره على حياتهم، لكنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه تبعًا لأنهم لا يملكون الأموال اللازمة لذلك مع حاجتهم الماسة لها. لكن إعادة صياغة ثقافة الاستهلاك والإنفاق لمبالغ أقل تمنح الفرد مساحة للتوفير والادخار.
يساعد الادخار الفرد على عدة أمور أهمها التقاعد المبكر والتنعم بوقت للراحة بين الحين والآخر. لست بحاجة إلى كسب مبالغ ضخمة للاستفادة من هذه الاستراتيجية، إذ يمكن لأي شخص لديه دخل متوسط أن يدخر مهما كانت نسبة هذا الادخار.
4. غيّر وظيفتك
إذا كانت وظيفتك على وجه الخصوص سببًا في شعورك بالتوتر والضغط النفسي وحائلاً أمام خروجك من سباق الفئران، فمن الممكن أن تنتقل لوظيفة أقل إرهاقًا بما يناسب خبراتك، يمكن أن يكون ذلك على حساب العائد المادي بحصولك على أجر أقل، لكنك ستتمتع بما هو أغلى من المال بكثير وهو راحة البال.
5. استغل مهاراتك وتعلّم التسويق بجانبها
إذا كنت تملك مهارة تستطيع توظيفها كمصدر دخل جانبي، فلا تضيّع هذه الفرصة بل استغلها خير استغلال. يمكن أن يتحول استثمارك بمهاراتك الفنية أو الإبداعية إلى عمل تجاري تستغني به عن عملك المجهِد. لكن نجاحك في التجارة بالمهارة لن يتم إلا بالتسويق الصحيح لها، لذا عليك أن تحرص على أن تتقن مهارات التسويق والمبيعات كي تضمن وصول عملك الذي تحبه إلى من يهتم به حقًا.
6. اتجه نحو العمل الحر
تزداد حدة سباق الفئران بالمثول إلى العمل اليومي بعدد ساعات محددة يجب الالتزام بها، قد يستنزف ذلك الموظف بجعل أغلب يومه مقضيًا في مكتب العمل. يمكن أن يتخلى عن هذه الأزمة بتوجهه نحو إكمال مسيرته المهنية بالعمل الحر، عبر القيام ببعض الأعمال المستقلة.
تتعدد هذه الأعمال مثل تصميم الجرافيك أو الكتابة والترجمة أو البرمجة والتطوير أو أيًا كان العمل الذي يتقنه، فالعمل الحر سوق يتسع لجميع الخبرات. تتميز ساعات العمل الحر بأنها أكثر مرونة، إضافة لمميزات أخرى كثيرة قد تشجعك على العمل كمستقل مثل إمكانية العمل من أي مكان.
7. توجه نحو الدخل السلبي
أنت الآن بوجودك في ساحة سباق الفئران تسير في مسار الدخل النشط، ويتمثل ذلك بجني المال مقابل بذل مجهود واستغراق وقت. ماذا لو كان من الممكن أن تحقق ذلك بقليلٍ من الجهد؟ يسمى هذا النهج بالدخل السلبي، ويمكن أن يتم تحقيقه بعدة وسائل منها العقارات، أو حتى إلكترونيًا بإنشاء مدونة أو تأليف كتاب.
8. الدخول إلى عالم ريادة الأعمال
عادةً ما يعمل من يعيش نمط سباق الفئران مع أصحاب المشروعات ورواد الأعمال كموظف بعدد ساعات عمل ثابت. قد تبدو ريادة الأعمال مجالاً يتطلب جهدًا أكبر بساعات عمل كثيرة في البداية، لكن تذكر أنها تعد استثمارًا مستقبليًا طويل الأمد وقابلًا للتطور والتحسن باستمرار، إلى أن تصل إلى حدٍ يغنيك عن الجهد الحثيث.
تضعك ريادة الأعمال على دفة القيادة، وتجعلك متحمسًا للنجاح بعيدًا عن الفتور الذي تعانيه. لكن من المهم أن تعلم أن ريادة الأعمال لا تناسب الكل وتتطلب مهارات وسمات شخصية خاصة، أهمها الابتكار والقدرة على المخاطرة.
9. استثمر
الاستثمار غير محصور في مجال معين، وأنت إلى ذلك تستطيع الاستثمار دون امتلاك مبلغ مالي ضخم. ركز في الاستثمار بالأمور الموثوقة على المدى الطويل، والأسهم التي تدر أرباحًا كي يؤتي الاستثمار أُكُله. غالبًا لا يتوقف تدفق الأموال مع الاستثمار الصحيح، ستتمكن بذلك من التوقف عن القلق بشأن المال والاستمتاع بحياتك. يُنصح بالتوجه نحو الاستثمار وفق خُطَّة مدروسة لأمور توفر إيرادات مستمرة مثل العقارات.
10. خذ فترة راحة
قد يكون التفكير في الخروج من الأزمة بذكاء صعبًا في خضمها، بسبب الحالة النفسية التي من الممكن أن تعيق الإنسان عن اتخاذ قرارات مدروسة بشكل جيد، لماذا لا تطلب إجازة بدلًا من ذلك؟
ناقش الأمر مع مديرك في العمل، أولاً لأنك تستحق الراحة، ثانيًا لأن ذلك سيساعدك على أن تحدد مساراتك المستقبلية وتغير الحالية وفق أسس سليمة، قد يكون باستكشاف آفاق جديدة تجعلك تجد شغفك أو أن تجدد شغفك الموجود حاليًا. تحقق أن يكون الوقت كافٍ لإحداث فرق فعلي وضروري.
11. تذكر أن كثرة المال لا تعني الخروج من سباق الفئران
الخروج من سباق الفئران يتعلق بالعقلية وليس بحجم المال، قد تجد الكثير من الأشخاص الذين يملكون دخلاً شهريًا كبيرًا لا يزالون يركضون داخل هذه الحلقة المفرغة. لماذا يحدث ذلك؟ لأن الأمر يتعلق بوجود القناعة أكثر من أي شيء آخر، فمهما كان الراتب الذي تجنيه، فهو مناسب ما دام يغطي حاجاتك ومسؤولياتك المالية دون أن يمنعك من الاسترخاء والاهتمام بشتى نواحي الحياة الأخرى.
في الختام، غالبًا ما يشعر الأشخاص العالقون في سباق الفئران أن المال يمكن أن يحل أي مشكلة في الحياة، ناسين أن القيمة الحقيقية للمال ليس لها عَلاقة بعدد الأصفار، ولكن بكيفية مساهمتها في رفاهيتهم وراحتهم أو سلبها لذلك. يمكن أن يكون للمال تأثير عاطفي وعقلي وجسدي لا يمكن تخيله على الشخص، لذا حاول دومًا ألا تجعل أثره عليك قويًا وحاسمًا، وتذكر أن الرضا أهم من كل الماديات من أجل حياة سعيدة.
تم النشر في: سبتمبر 2021
تحت تصنيف: العمل الحر | نصائح للمستقلين
بارك الله فيكِ أيتها الكاتبة – أملِ الخطيب
الاستقلال المالي مهم لكنه غالبا ما يكون بالتقيُّد برتابة الوظيفة وبرب العمل. كم هو رائع أن نحرز ذلك الاستقلال خالصا دون أي قيد قدر الاستطاعة
شكرًا جزيلاً لك أخ عبد الرحمن.
صدقا الكتب اللي قريتها ولقطات الشاشة اللي أخدتها طول حياتي لكلمات شبيهة لمقال حضرتك كفيلة لأكون بروفيسور أو محاضر بهارفرد
بس صدقا كلها عالفاضي .. أنا شخص عمري 34سنه درست فنون جميلة قسم تصميم داخلي وماكملت. سوري حاليا بألمانيا عم اشتغل (جلي الصحون) يعني أول خطوة بطريق الأغنياء بتعرفي كلن اشتغلو بالبيتزا وجلي الصحون!!؟
(تعالي شوفي الواقع هون كيف)
المصيبة القراءة والحديث مافي أسهل منن
بس التنفيذ بأرض الواقع مافي أصعب منو
(أرض الواقع اللي ينطبق عليها كلام حضرتك وكلام المختصين زملائك غير أرض واقعنا تماااما)
والله مابعرف شو قول لحضرتك بس هي أول مرة يعلق ضمن منتدى (من متصفح) لفت نظري عمر حضرتك وأسلوبك ك كتابة وترجمة
مع كل الحب والتقدير للاجتهاد والذكاء الموجودين عندك ما شاء الله 🤍