قبل الحديث عن فرق العمل الموزعة عن بعد، لابد أن نتحدث عن العمل عن بعد، فهذا المصطلح لم يكن معروفًا قبل السنوات العشر الماضية، وقد ظهر نتيجة للتطورات المتلاحقة في التكنولوجيا وسوق العمل والاقتصاد، وهو يشير إلى العمل خارج نطاق المكاتب التقليدية في الشركات، ويُعَرّفُ أيضا بأنه العمل الذي يُنجز في بيئة أخرى غير مكان صاحب العمل، وذلك يتضمن العمل من المنزل أو أية بيئة أخرى يُمكن تخيّلها، مثل: فندق، مقهى، يخت.. إلخ، وقد شهد هذا القطاع نُموًّا مُلفتًا خلال السنوات الأخيرة في العالم، ففي أمريكا الشمالية على سبيل المثال، تُشير الإحصائيات إلى أن 3 من أصل 5 موظفين يفضلون العمل عن بعد.

ما هي فرق العمل الموزعة عن بُعد؟

هناك العديد من التعريفات المتنوعة لمصطلح “فرق العمل الموزعة عن بعد”منها:

  • أنهم مجموعة أشخاصٍ بمهاراتٍ مختلفة تُلائم احتياجات المنشأة، يستخدمون التقنية للتواصل وتنفيذ المهام، فيتلقون التعليمات ويُسَلّمون الأعمال المنوطة بهم، بل ويعقدون الاجتماعات، ويتلقون التدريب عبر الإنترنت.
  • مجموعة أشخاص موزعين جغرافيًا، يستخدمون التقنية (إنترنت، كومبيوتر، تطبيقات) للقيام بالأعمال لصالح شركة ما.
  • مجموعة أفراد يستخدمون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ للتعاون في مهام متعلقة بالعمل لصالح إحدى الشركات.

وقد يكون هؤلاء الأشخاص في جغرافيا واحدة أو موزعين عبر بلدان وقارات مختلفة، لكن القاسم المشترك الذي يجمع بينهم، هو إنجاز أعمال مختلفة- عبر الإنترنت- لشركة بعينها.

وبالتوازي مع النمو الملحوظ لظاهرة فرق العمل الموزعة عن بُعد في العالم، (بَعد أن كانت الظاهرة  تخطو خطوات مُحتشمة وحذرة في العالم العربي) بدأت تتطور بشكل مُبشّر، ما يؤكّد أن فرق العمل عن بعد ستكونُ مُستقبلَ التوظيف في العالم العربي، لكن لماذا؟ سنجيب على هذا السؤال في النقاط التالية:

نمو الشركات الناشئة في المنطقة

مما لا شك فيه أن انفتاح الشباب العربي على عالم ريادة الأعمال في العالم والنجاح المتوالي الذي تُحقّقه مئات الشركات الناشئة العالمية أثّر على نمو الشركات الناشئة في العالم العربي وشجّع مزيدًا من الشباب على خوض المغامرة في هذا المجال، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الشركات الناشئة، وخصوصًا شركات التقنية منها؛ حَسَبَ إحدى الإحصائيات، فإن 64% من الموظفين الشباب في المنطقة يرغبون في بدء أعمالهم الخاصة، بدل الاستمرار كموظفين، و70% من الذين كانوا يطمحون لذلك، اتخذوا خطواتهم الأولى في إنشاء أعمالهم الخاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد الشركات الناشئة في المنطقة، إلا أن إحصائيات مثيرة للاهتمام كشفت عنها منصة ماغنيت، تخص الشركات الناشئة المسجلة عندها، يمكن أن تساعدنا في تصور النمو المتزايد للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد كشفت ماغنيت أن عدد الشركات الناشئة التي سجلت على منصتها عام 2016 تجاوز 2000 شركة ناشئة، وأن هناك 55% من الشركات ما زالت في مراحل الإطلاق الأولى، وصرّحت 62% من الشركات الناشئة القائمة بأنها تُحقق العائدات.

وكشفت الإحصائيات ذاتها عن أن 42% من الشركات اتخذت دولة الإمارات مقرًا لها بينما توزعت باقي الشركات في دول مختلفة مثل: مصر 12%، لبنان 9%، الأردن 8%، المغرب 5%، السعودية 5%.

وقد تزايد عدد الشركات الناشئة؛ لأسباب عديدة، منها: تحسن النظام البيئي لرواد الأعمال، وبالرغم من أن المستثمرين ما زالوا يشعرون بالتخوف من الاستثمار في الشركات الناشئة عبر الإنترنت، ويُفضلون دعم الشركات التقليدية، إلا أن حركة الاستثمار في شركات التقنية الناشئة بدأت تنمو، إذ حصلت الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تمويل قُدّر بـ 870 مليون دولار عام 2016، وفقًا لماغنيت، كما أن العديد من الحكومات تسعى لمساعدة رواد الأعمال ودعمهم بضخ مزيد من القروض البنكية، دون أن ننسى ظهور شركات التمويل الجماعي التي ساهمت بدورها في إطلاق كثير من الشركات.

وحققت الشركات الناشئة عام 2015 مداخيل بلغت 300 مليون دولار (حققت شركةُ طلبات وحدها 170 مليون دولار، بعد أن بيعت لشركة روكيت إنترنت الألمانية)

لا شك أن هذه الأرقام مبشرة؛ فالشركات الناشئة – وخصوصًا التقنية – تحتاج إلى فرق عملٍ تُكلّفها أقلّ وستفتح الآفاق أمام الكثير من المستقلين، وتخلق المزيد من فرص العمل لفرق العمل عن بعد، وإذا كانت عديدٌ من الشركات الناشئة العالمية التي تبنت نظام توظيف فرق العمل عن بعد، ونجحت في ذلك؛ ووصل بعضها إلى نسبة 100% فإن الشركات الناشئة أيضًا في المنطقة ستحذو حذوها دون شك؛ لأن فرق العمل الموزعة عن بُعد هي الأكثر إنتاجية والأقل تكلفة بالنسبة لأية شركة ما زالت في بدايتها، وبحسب إحصائيات ماغنيت فإن 49% من الشركات الناشئة في المنطقة تبحث عن مسوقين إلكترونيين، 25 % منها تبحث عن محامين، و22 منها تبحث عن موظفي دعم تكنولوجيا المعلومات، فالواضح أن أغلب الوظائف التي تبحث عنها تلك الشركات يُمكن إنجاز مهامّها عن بعد.

شبح البطالة

ما لا يختلف عليه اثنان، أن نسب البطالة في الشرق الأوسط تتصدر العالمية منها، بنسبة 42%، ويصل عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي إلى 22 مليون عاطل، وذكر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط يجب أن تخلق 100 مليون وظيفة بحلول عام 2020؛ لاستيعاب السكان الناشئين من الشباب، الذين ستبلغ أعمارهم 25 سنة، وهم يشكلون نسبة 60%من سكان المنطقة، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية وانهيار أسعار النفط، وتسريح عدد كبير من الموظفين في العالم العربي، تجد الحكومات صعوبات كبيرة في خلق فرص عمل للشباب، ما يدفعهم للبحث عن حلول أخرى، منها العمل عبر الإنترنت، والانضمام إلى فرق العمل الموزعة عن بُعد التي توظفها الشركات، إحصائيات البطالة في العالم العربي تسير جنبًا إلى جنب مع تزايد ملحوظ في نمو مستخدمي الإنترنت في العالم العربي، فوفقًا لتقرير اقتصاد المعرفة العربي، سيبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي نحو226 مليون مستخدم، بحلول العام 2018، وهذا التزايد يصحبه انفتاح على الاستخدامات المتعددة للإنترنت، منها: الحصول على فرص عمل، وكسب المداخيل، والواقع أن نسب البطالة المرتفعة ونسب عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة، يسمح للشركات الناشئة وغيرها بتوظيف المزيد من الكفاءات عبر الإنترنت، وبالمقابل فإن التكنولوجيا منحت العديد من الشباب حرية العمل عن بعد، وقد أدى ذلك إلى تجاوب المستقلين مع احتياجات الشركات للموظفين عن بعد.

نفقات أقلّ وحرّية في العمل

يميل أرباب العمل عادةً في الشركات الناشئة، أو حتى في الشركات الكبرى، إلى تقليل الإنفاق، ولن يكون هناك سبيل إلى ذلك أفضل من توظيف فرق العمل عن بعد، وليس غريبًا أن يتجه الكثيرون منهم إلى توظيف الكثير من الكفاءات والعقول عبر الإنترنت، وبأجور معقولة جدًا، إضافةً إلى التخلص من هاجس دفع الرواتب الضخمة للموظفين العاديين، بعد توظيف فرق العمل عن بعد؛ تساعد الأخيرة الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة على خفض نفقات البنية التحتية من التجهيزات المكتبية، تأجير وإعداد مساحات عمل إضافية للموظفين، فواتير استهلاك الطاقة والهاتف والفاكس، ومصاريف الصيانة، إضافة إلى نفقات التأمين الصحي للموظفين وأسرهم والبدلات (بدل السكن، بدل السيارة.. إلخ)، والإنفاق على الاجتماعات والسفر وغيرها… فالشركات توفّر الكثير من التكاليف سنويًا بتوظيف فرق العمل عن بعد.

يعتقد الكثيرون أن الشركات تجد صعوبة في إدارة فرق العمل عن بعد ولكن هناك منهجية، وكثير من الأدوات لإدارة العملية، وجعلها أكثر سهولة، خصوصًا مع التطور التكنولوجي الذي سهل عملية الاتصال، منها تطبيقات تسهل إدارة مهام فرق العمل عن بعد، وتطبيقات لإدارة العمل والاتصال والاجتماعات، وأخرى لمشاركة الملفات، وبرامج لاجتماعات الفيديو للفريق، حتى تقديم العروض للعملاء، وكلها تسهل عملية إدارة الفريق بأقلّ التكاليف، بالمقابل وبعكس ما يعتقده كثيرون، فإن العمل مع فرق العمل عن بعد يرفع الإنتاجية، حَسَبَ عديد من الدراسات، أهمها دراسة أجرتها جامعة ستانفورد كشفت عن أن العمل عن بعد يعزز سعادة الموظف وإنتاجيته.

إضافة إلى المزايا التي يجنيها أصحاب الشركات من توظيف فرق العمل عن بعد، فإن فرق العمل بدورها تتمتع بعديد من المزايا، أهمها التخلص من مواعيد العمل المنتظمة، تتوفر بيئة العمل حسب الطلب لكل واحد من أعضاء الفريق، العمل من المنزل، أو من أي مكان آخر، هو أكثر أريحية ومرونة من العمل المكتبي التقليدي، ما يُمكّن المستقل من التواصل أكثر مع أفراد أسرته، وتقليل الكثير من النفقات التي يفرضها العمل التقليدي، مثل: شراء الملابس، نفقات التنقل أو وقود السيارة، تناول الأكل في المطاعم… إلخ.

وقد كشفت الدراسة التي أجرتها جامعة ستانفورد عن أن الموظفين الذين يعملون عن بعد أكثر إنتاجية، وقد أجابوا على مزيد من المكالمات، وعمِلوا المزيد من الساعات؛ لأنهم أخذوا وقتًا مستقطعًا أقل، واستخدموا إجازة مرضيّة أقل، كما أنهم يشعرون بأريحية وسعادة أكبر من موظفي المكاتب التقليدية.

التطور الوظيفي في العالم العربي يلعب دورًا مُهمّا في ازدهار فرق العمل الموزعة عن بعد؛ فكثير من الوظائف لم تكن موجودة في العالم العربي والعالم أجمع منذ سنوات، لكنها أصبحت تحتل قائمة الوظائف المطلوبة، وهي في أغلبها وظائف لا تتطلب الحضور إلى المكتب، ويمكن إنجاز المهام فيها عبر الإنترنت، مثل: مطوّر ويب، مسوّق إلكتروني، منسق شبكات اجتماعية، كاتب محتوى شبكات التواصل، مطوّر تطبيقات، البيع على الإنترنت، إدارة حسابات شبكات التواصل، مصمم فيديوهات موشن جرافيك… إلخ.

حاجة الكثير من أصحاب الأعمال في العالم العربي إلى موظفين ذوي مهارات متخصصة غير متوفرة محليًا لا شك سيساهم في الطلب المتزايد على فرق العمل الموزعة عن بعد؛ والتي ستكون نقطة تحول في مستقبل التوظيف في العالم العربي، كما ستوفر كثيرًا من مناصب العمل، وتحلّ العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتساهم في تنمية المجتمعات في المنطقة.

تم النشر في: إدارة الفرق عن بعد