كثيرًا ما نسمع كلمة الجودة تتردد على الألسنة في أوصاف المشروعات بل في حياتنا البسيطة؛ فتجد أحدنا – على سبيل المثال – يتعمد شراء المنتج المصنوع في اليابان لأنه جودته رائعة، بينما تجد آخر يمدح في جودة نفس المنتج المصنوع في دولةٍ أخرى، وهكذا يختلف تعريف ومعنى الجودة في عقول مستهلكي المُنتجات ومُستخدمي الخدمات، فكل إنسان له تعريف مختلف عن نظيره فيما يتعلق بالجودة، وربما كان هذا سببًا في اختلاف مفاهيم الجودة بين العلماء أنفسهم.

على كل حال، ونظرًا لتباين المفاهيم، يُمكننا أن نُعرّف الجودة بأبسط تعريف على أنها الالتزام بمتطلبات ومواصفات المشروع، وتلبية تطلعات أصحاب المصلحة في المُنتج أو الخدمة مع انخفاض نسبة العيوب.

1. الجودة هي مطابقة المنتج للمواصفات والمتطلبات

إذا اعتمدت في تطبيق الجودة على هذا المفهوم البسيط (مطابقة المواصفات)، فقد حصرت عظيمًا في مكان ضيقٍ لا يليق به. إن المراحل الأولى للوعي بالجودة كانت التفتيش والفحص أثناء عملية الإنتاج فقط، بل كان دور الفحص والتفتيش قائمًا لاستبعاد المنتج المعيب لأغراض الجودة ذاتها دون التطلع والنظر إلى أبعد من ذلك، وكأن المنتج يتم إنتاجه طبقًا للمواصفات التي يُريد المُنتج أن يكون عليها بغض النظر عمّا يريده المُستهلك.

صحيح أن أحد أهم أدوار الجودة هو التأكد أن المُنتج أو الخدمة تم إخراجهما وفقًا للمواصفات التي تم الاتفاق عليها في بداية المشروع، ولكن يجب مراعاة متطلبات أصحاب المصلحة من المُستهلكين، كذلك يجب أن تنظر بالجودة بعيدًا عن التخلص من المنتج المعيب إلى معرفة أسباب وجود عيوب في المنتجات أو الخدمات حتى يتم التخلص منها نهائيًا.

مثال: قد تُفكر في عمل دورة تعليمية لتعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بالعربية واتبعت أفضل الأساليب في إخراج هذه الدورة وكانت بالفعل ممتازة، وُقدّرت هذه الدورة التعليمية بسعر مناسب لما تقدمه من معلومات ولكن السعر لا يزال باهظًا على نسبة لا يستهان بها من أصحاب المصلحة. إذن يجب أن تتطرق الجودة لأبعد من إنتاج المُنتج طبقًا للمواصفات المطلوبة فيه إلى إضافة متطلبات المُستفيدين جنبًا إلى جنب مع المواصفات السابقة، وبالتالي ستُشير الجودة بتقسيم المُنتج إلى عدة مستويات بأسعار أقل.

2. شروط يجب توافرها في المواصفات

  • واضحة ومتكاملة: لا يكفي أن تطلب من فريق العمل قائلًا أبحث عن أفضل جودة في المشروع وتتوقف تاركًا الفريق يفعل ما يريد فعله؛ فأنت بذلك ستحصل على جودة ملائمة لتعريف فريق العمل لها، ولكن الصحيح أن توضح مواصفات المنتج الذي تريده بالكامل؛ فلا تدع مجالًا للاجتهادات الشخصية.
  • واقعية وملائمة: المواصفات التي تطلبها يجب أن تكون واقعية وقابلة للتحقق، وهذا يدفعك – كونك المسؤول عن إعطاء مواصفات المنتج أو الخدمة المطلوبة إلى دراسة المواصفات والمتطلبات وعرضها على أكبر شريحة ممكنة من أصحاب المصلحة لإبداء آرائهم فيها.
  • الربحية: وكلمة الربحية لا تُعني فقط زيادة الأرباح، ولكن يدخل تحتها مفاهيم مثل خفض تكلفة الإنتاج وتقليل الوقت وزيادة حجم التسويق لتحقيق ربحية أكبر تُغطي التكاليف.

مثال: قد يطلب أحدهم من خبير الـ SEO أن يجد موقعه في أول نتيجة في محركات البحث، وفي حالة وافق الخبير على هذا الأمر فأعلم أنه ليس خبيرًا؛ لأن المواصفات المطلوبة في المشروع غير واضحة؛ إذ كان ينبغي على صاحب الموقع تحديد الكلمات المفتاحية التي يُريد أن يصل بها إلى النتائج الأولى وبعدها يأتي دور الخبير في تحديد الأنشطة اللازم عملها لتحقيق الهدف، والوقت اللازم لإنهاء هذه الأنشطة، ويتم الاتفاق على التكلفة المناسبة للجميع.

3. محاولة تلبية تطلعات أصحاب المصلحة

لن أُبالغ حين أقول، أن تلبية تطلعات أصحاب المصلحة قد يكون أمرًا مُستحيلًا؛ إذ في كثير من الأحيان تختلف وتتباين متطلبات أصحاب المصلحة بشكل كبير، ولا شك أن تلبية كل المتطلبات بإتقان وبدون أخطاء هو سعي نحو الكمال والذي هو صفة من صفات الإله فقط؛ فصحيح أننا نسعى إلى الكمال، ولكننا لن نصل إليه، ولذلك أيضًا كان واجبًا أن نُضيف كلمة محاولة في صدر الجملة، لتدل على أهمية المحاولة المستمرة لتلبية تطلعات أصحاب المصلحة من المُستهلكين وغيرهم، كذلك أهمية التطوير بالمنتج أو الخدمة، أو تنمية فكر المستهلك نفسه كي يرتقي بفهم مستوى أعلى من الجودة لم يكن موجودًا من قبل.

4. الجودة والقيد الثلاثي

مفهوم القيد الثلاثي ليس مستحدثًا على أصحاب المشروعات، فالجميع يعرف أن القيود الثلاثة التي يتكون منها القيد تؤثر بشكل أو بآخر على الجودة؛ وقد يُعد القيد الثلاثي قياسًا مناسبًا لأصحاب الشركات الناشئة بخصوص الجودة.

الجودة والقيد الثلاثي

القيود الثلاثة الموضحة في الشكل السابق: (أ) قيد النطاق Scope والمهتم بكافة الأنشطة والأفعال التي يجب القيام بها للانتهاء من المنتج النهائي، (ب) قيد التكلفة Cost والمهتم بالتكلفة الكلية التي نحتاج إليها للانتهاء من المنتج، (جـ) قيد الوقت Time أو Schedule والمهتم بالوقت اللازم للانتهاء من الأنشطة حتى الانتهاء من المنتج النهائي. أما الجودة Quality فهي نتاج عمل القيود الثلاثة معًا.

في حالة التغيير على أي قيد من القيود الثلاثة السابقة، فإنه من الطبيعي أن تتأثر بقية القيود، وبالتبعية سوف تتأثر الجودة؛ ولذلك السبب كان لزامًا على مدير الجودة أن يهتم دائمًا بإبقاء كل قيد وفق المخطط له مع إمكانية التعديل حسب ما يطرأ على المشروع من تغييرات.

5. مثال عملي لاستيعاب مفهوم الجودة

كوب مكسور

مثال 1

مشروعان لإنتاج الأكواب الزجاجية: (أ) المشروع الأول كانت مواصفاته تنص على أن الكوب إذا وقع من الدور العاشر فلن ينكسر وبعد إنتاج الأكواب وجدوا أن الكوب ينكسر إذا وقع من الدور العاشر، ولكنه إذا وقع من الدور السابع فلا ينكسر، (ب) المشروع الثاني كانت مواصفاته تنص على أن الكوب إذا وقع من الدور الثاني فلن ينكسر وبعد إنتاج الأكواب تحققت المواصفات المذكورة؛ فمن وجهة نظرك أي مشروع منهما جودته أعلى من الآخر؟

بالرجوع لمفهوم الجودة المذكور في صدر هذا المقال ستجد أن الجودة تعني: (أ) الالتزام بمواصفات ومتطلبات المشروع، (ب) تلبية تطلعات أصحاب المصلحة (كل من له مصلحة في هذا المشروع).

وبمقارنة المشروعين على هذا التعريف ستجد أن المشروع الأول أخلّ بهذا المفهوم البسيط، فلم يأتي المنتج موافقًا للمواصفات المُحددة في البداية أنه لن ينكسر الكوب إذا سقط من الدور العاشر، وبالتالي لم يُلبي رغبة بعضًا من أصحاب المصلحة كراعي المشروع ومدير المشروع وفريق العمل، وعلى النقيض تجد أن المشروع الثاني أنهى المنتج طبقًا للمواصفات والمتطلبات ورغبات أصحاب المصلحة وهو بذلك ذا جودة أعلى من جودة المشروع الأول.

مثال 2

لديك كتاب مكون من 100 صفحة وتحتاج إلى ترجمته في أسرع وقت ممكن، وهذا ما دفعك إلى توظيف مترجمين وقسمت العمل بينهما، وكانت المواصفات أن ينتهي كل مُترجم من ترجمة الـ 50 صفحة خلال 15 يوم فقط؛ فانتهى كل منهما من ترجمة العمل باحترافية كبيرة للغاية، لكن الأول انتهى من عمله خلال 15 يوم، بينما الثاني أنهى العمل خلال 16 يوم؛ فأي المُستقلين أعلى جودة؟

لا شك أن المترجم الأول أعلى جودة لأنه طبق المواصفات والمتطلبات، والوقت أحد أهم المواصفات في أي مشروع، بينما الثاني أخفق في أمر بسيط، تمامًا كطالبين في المرحلة الثانوية أحدهما كانت درجته 100%، بينما الأخر 99.9%.

من المتوقع أن مفهوم الجودة لديك قد تغير بعد الذي قرأته في هذا المقال، وهناك في دليل ريادة الأعمال 101 كثير من المقالات المهمة لرواد الأعمال، ستحتاج أيضًا إلى مراجعتها في أقرب وقت ممكن.

تم النشر في: أبريل 2016
تحت تصنيف: ريادة أعمال | نصائح ريادية