أكاديمية فاهم التعليمية هي منصة تعليمية مجانية غير ربحية، تقدم الدروس المصورة وتستهدف طلاب وطالبات التعليم العام بالمملكة، كما يُنتفع بموادها التعليمية في كافة أرجاء الوطن العربي. وقد أسسها طلال السناني الذي يحمل شهادة الدكتوراه في التربية، فيما تجاوزت خبرته الـ 25 عامًا في قطاع التعليم. أسس هذه الأكاديمية رغبةً منه في تقديم تعليم مجاني للطلاب المعوزين الذين لا يستطيعون دفع ثمن الدروس الخصوصية. استعان السناني بخدمات مستقل وحوّل الأكاديمية من قناة على يوتيوب إلى موقع متكامل.


أعتدت دائمًا في رواية قصص الشركات الناشئة أن أخصص فقرة كاملة للحديث عن النموذج الربحي للشركة، والتعرف على كيفية حصولها على الأرباح والتعرف على مصادر دخلها. وقبل لقائي مع الدكتور طلال السناني كنت قد جهزت كافة الأسئلة، إلا أنه فاجأني في أول دقيقة من اللقاء عندما قال: «هذه الأكاديمية التعليمية مجانية وستبقى مجانية».

أعدت السؤال مرة أخرى على السناني، مستغربًا؛ لماذا تطلق شركة ناشئة دون نموذج ربحي، ويبدو أن السؤال أعاد له الذكريات عندما كان يعمل موجهًا للطلاب في إحدى المدارس الثانوية في المدينة المنورة. تحديدًا في العام 2014، كان جزء من علمه يتطلب الإشراف على الطلاب، والبحث خلف أسباب انخفاض مستواهم الدراسي، يُحيل المعلمون بعض الطلاب إلى السناني، رغبةً في تطوير مهاراتهم وفهم سبب ضعفهم، وعندما أمعن النظر في أغلب الحالات التي تصل إليه وجد أغلبها حالات إنسانية، إذ وصفها قائلًا: «بعضهم أيتام أو حالتهم المادية ميسورة، ولا يستطيعون أولياء أمورهم توفير مدرسين خصوصين لهم».

أخذ السناني على عاتقه حل هذه المشكلة من أجل توفير تعليم لهؤلاء الطلاب. وبدأ في عقد الاجتماعات مع كل المنظومة التعليمية مدير المدرسة والمعلمين وأولياء الأمور حتى يشاركهم الأفكار، وكان لديه سؤال واحد في كل هذه الاجتماعات: «أخبروني كيف يمكننا أن نساعد هؤلاء الطلاب؟»

البداية من يوتيوب

جاءت الفكرة الأولى لحل هذه المشكلة من خلال التعاون مع بعض المعلمين وتسجيل فيديوهات تعليمية، ثم نسخها على أقراص CD تعليمية وتوزيعها على الطلاب حتى يشاهدونها في المنزل. عندما طرح الفكرة على الزملاء في مدرسته وجد من تحمّس للفكرة ودعمها من خلال تسجيل فيديو واحد، وهناك من أعتقد أنها فكرة غير مجدية!

كانت هذه المحاولات في وقت مبكر، قبل أن تستثمر وزارة التربية والتعليم السعودية في التعليم المرئي من خلال قناة عين الفضائية. ففي الوقت الذي أطلق فيه السناني فكرته، كانت الفيديوهات التعليمية على يوتيوب عشوائية غير منظمة وغالبًا غير مكتملة، ولم يحصل الطالب على المنهج بشكل متسلسل وكامل. لذا حاول بناء مجتمع تعليمي هادف وموجه يخدم طلاب وطالبات التعليم العام، كان نموذج واضح منذ البداية؛ مجتمع قائم على البذل والعطاء، انطلاقا من قول نبينا عليه الصلاة والسلام (وعلم ينتفع به).

لذلك وجد أن المعلمين مشغولين، وأن العملية تتطلب مهارات أخرى مثل إعداد الفيديو وتصويره وتحريره وكلها مهام إضافية. لذلك، أتجه للتعاون مع معلمين محترفين من دولة مصر. انطلقت الفكرة الرئيسية للأكاديمية من خلال يوتيوب ولاحقًا أنشأ الموقع.

توقيع العقود مع المعلمين

بدأت الاكاديمية تصوير الفيديوهات بشكل بسيط، وعند العودة إلى أول الفيديوهات التي تم رفعها على القناة، سوف تلاحظ أنها تتم من خلال تصوير منزلي غير احترافي. وعن تلك المرحلة يخبرنا السناني: «كانت مرحلة صعبة، كنت أقوم بعملية المونتاج بنفسي، وكنت أنسق مع عدة معلمين في نفس الوقت من أجل التصوير».

العمل بشكل فردي على أكاديمية تعليمية من خلال يوتيوب، يعني الكثير من المهام الروتينية المتكررة، يخبرنا السناني في هذا المثال: «تخيّل معي أنك تُرسل ملف فيديو بحجم 1 قيقا، ثم تقوم بتحميله على جهازك، ثم تقوم بعملية مونتاج للملف، ثم تُعيد رفعه مرة أخرى على يوتيوب .. كنت أعمل في اليوم لا يقل عن 18 ساعة».

بعد فترة ليست بالقصيرة، بدأت بعض التعليقات تظهر على قناة يوتيوب، وبدأ التشجيع من الطلاب وأولياء الأمور: «لقد وجدوا ضالتهم في هذه القناة، وهذا شيء زاد حماسي و أعطاني دافع أكبر».

كانت فترة اختبار مدى نجاح فكرة المشروع قصيرة نسبيًا، استطاع السناني خلال هذه الفترة القصيرة، أن يطلق القناة ويتعاون مع شبكة من المعلمين، بعد ذلك وجد الصدى من الجمهور. بعد ذلك تأكد تمامًا أن هناك شريحة كبيرة ترغب في هذا المحتوى التعليمي.

تحديات المشروع: السفر الدائم!

في بداية المشروع، كان السناني يسافر إلى مصر عدة فترات في السنة، ويقابل المعلمين المرشحين ويعقد معهم لقاءات، حتى يخرج بأفضل الكفاءات التي تعينه في مشروعه. وواجهته تحديات اختيار المعلمين، أبرزها الالتزام من جهتهم في التدريس وعدم الانسحاب في المنتصف، ومنهم من يقدم شرحًا رائعًا في أول تعاون ثم بعد ذلك يتهاون.

هذه التحديات دفعت السناني -من أجل ضبط الجودة- إلى خلق نظام صارم في اختيار المعلمين إلى التعاون مع مؤسسة تعليمية في مدينة الإسكندرية من أجل ترشيح المعلمين واختبارهم قبل الانضمام إلى الأكاديمية التعليمية. وهنا اكتشف السناني ميزة تقسيم المهام في العمل وأدرك قوة التفويض. وهذا ما مهد له التعرف على مستقل.

مستقل عمل منظم

يعمل السناني منفردًا على موقع الأكاديمية، لكنه يستعين بعدد هائل من المستقلين في مجالات؛ كتابة المحتوى وإنتاج الفيديوهات وتصميم المواقع والبرمجة، يقول: «كل فيديو تم إضافته إلى شبكتنا التعليمية، يتم مراجعته من قبلي بشكل دقيق»، ويضيف عن فائدة مستقل: «استطعت تطوير الموقع بشكل أقوى من السابق من خلال جودة المواهب الموجودة على مستقل».

نموذج عمل الأكاديمية شبه متكرر، لذلك يلجأ السناني إلى نوعية محددة من المستقلين المفضلين لديه، لإنجاز هذه المهام المتكررة: «لديّ في المفضلة عدد هائل من المستقلين الذين أتعاون معهم دائمًا»، لأن مهام العمل في الأكاديمية روتينية متكررة مثل تصميم الكتب والتحرير والكتابة وعمليات المونتاج.

وفر مستقل الوقت وجهد، وأضاف الاطمئنان إلى السناني لأنه يعمل منفردًا ويرى في مستقل وجهته الأولى للتوظيف وإنجاز مهام العمل: «مستقل أزال عن كاهلي كثير من التحديات، لذلك حقي بقي محفوظًا». يلخص السناني تجربته مع الأمان والموثوقية التي وجدها في مستقل بجملة واحدة معبرة: «عندما استخدم مستقل استشعر بأني مُسند ظهري لجبل».

الأكاديمية قائمة على الدعم الذاتي

صمم السناني موقع الأكاديمية من خلال مستقل، وفي قناة يوتيوب أكثر من 1500 فيديو تعليمي. وتجاوز عدد المشتركين 360 ألف مشترك، أما مشاهدات القناة فقد تجاوزت 80 مليون مشاهدة. وعن تمويل فكرة الأكاديمية يخبرنا السناني: «أنا غير مدعوم من أي جهة، كل التمويل للأكاديمية تم من خلال تمويلي الخاص».

يقدم الموقع خدمات إضافية للطالب، بحيث يحتوي على قسمين؛ القسم الأول يتناول حل أسئلة الكتاب بحيث يمكن للطلاب العودة للموقع والتأكد من الإجابات الصحيحة، والقسم الآخر هو لعرض الدروس مرتبة بشكل متسلسل مطابق لصفحات الكتاب، لمن لا يفضلون تصفح يوتيوب.

يجد الطلاب في الخليج أن موقع الأكاديمية مفيدة لهم. كما يضيف السناني: «إحصائيات الموقع تخبرني أن الزيارات تأتي من كافة الدول العربية. المناهج في دول الخليج العربية متطابقة لحد ما في بعض المواد مثل العلوم والرياضيات، لأنه تم بنائها على منهج أمريكي مترجم».

هذا الفيديو التعريفي تم تصميمه من خلال مستقل

الأكاديمية مجانية، وستبقى مجانية

تحدث بعض المستثمرين مع السناني من أجل بناء نموذج ربحي مع الأكاديمية من خلال نظام الاشتراكات، لكنه رفض الفكرة تمامًا، ويعود ويؤكد على شعاره الأساسي الذي تبناه منذ البداية: «شعاري هو علم ينتفع به؛ أنا بنيت الموقع في الأساس من أجل الطلاب الذين لا يستطيعون الدفع».

في نهاية الحوار، طلبت من السناني كلمة أخيرة نختم بها حوارنا، وأختار أن يخلص قصة البناء والتحديات التي رافقته: «عندما أشرح بناء الأكاديمية هذا عمل صعب، الناس لا تدرك كيف أن هذا العمل استهلك مني وقت وجهد وصحة، لا أحد يدرك ذلك. أنا تعبت في بناء هذه الأكاديمية فالأمر لم يكن سهلًا، تأخرت سنة عن زملائي في الماجستير بسبب انشغالي في الموقع».


إن كنت صاحب مشروع على مستقل، وترغب في أن تشاركنا قصة نجاحك، فنرحب بتواصلك معنا عبر البريد الإلكتروني: marketing@hsoub.com.

تم النشر في: قصص نجاح أصحاب المشاريع