“عندما تسيل الدماء في الشوارع، ذاك هو الوقت المناسب للشراء”
جاءت هذه العبارة على لسان أحد أبناء عائلة روتشيلد والتي تعد واحدة من أغني عائلات العالم، وتشير العبارة إلى أن أوقات التقلبات السياسية والتقلبات الاقتصادية التي تصاحبها، تحمل فرصًا للتجارة وتحقيق الثراء.
وفي ظل توقعات متشائمة للاقتصاد العالمي خلال الفترة القادمة عامي 2019 و 2020، يظهر تحدٍ هام أمام جميع أنواع الشركات في جميع أنحاء العالم، وهو كيفية التعامل مع التقلبات الاقتصادية المتوقعة، وإدارة أي أزمات تطرأ على أفضل نحو ممكن يعبر بالشركة إلى بر الأمان.
ما هي التقلبات الاقتصادية المتوقعة؟
يعني الركود كمرادف للتقلبات الاقتصادية المتوقع حدوثها هذا العام والعام الذي يليه، هبوط في كل نواحي الأنشطة التجارية، وهبوط مستمر في إنتاج السلع والخدمات، مع اتساع نطاقه يؤدي إلى انخفاض في حركة البيع والشراء وازدياد معدلات البطالة.
وقد أعلن صندوق النقد الدولي قبيل بدء العام الحالي توقعاته بانخفاض نمو الاقتصاد العالمي لعام2019 ، في ظل ارتفاع المديونية العالمية، وارتفاع سعر الفائدة، وعدم استقرار البورصات الأوروبية، وتقلبات أسعار النفط بالإضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وخلال العام السابق 2018 بلغ معدل نمو الاقتصاد الصيني أبطأ معدل له خلال 28 عاما ، وهو الأمر الذي يؤثر على المنطقة العربية يتمثل في ضعف الطلب الصيني على النفط الخليجي.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد فرضت رسومًا جمركية على دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وزادت من الرسوم المفروضة على الصين، وهددت هذه الدول بالمعاملة بالمثل.
وفي أوروبا فإن الأوضاع الاقتصادية ليست أحسن حالًا، في ظل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمظاهرات السياسية في فرنسا، وتراجع قطاع السيارات الألماني، وضعف الطلب الداخلي في إيطاليا.
لذا فإن العالم يسبح على سطح من التقلبات الاقتصادية المتوقعة، التي ستلقي بظلالها على المنطقة العربية نظرًا لتبعيتها الاقتصادية للدول المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا والصين.
وبطبيعة الحال تفكر الشركات في كيفية النجاة من هذه التقلبات المتوقعة، وإن كانت العادة التاريخية أن القليل منها فقط هو الذي يتحرك مبكرًا قبل أن تقرع المخاطر الأبواب.
حيث أشارت دراسة أجريت على 5000 شركة أمريكية خلال فترات الركود التي حدثت بدءًا من عام 1985 وحتى الآن، أن 14 % فقط من هذه الشركات استطاعت الاستفادة فعليًا من فترات الركود في زيادة نموها وأرباحها، وتحسُن مركزها التنافسي بعد الركود مقارنة بقبله.
وكان من أبرز الإجراءات التي اتخذتها هذه الشركات وأدت إلى تحقيق النجاح: التحرك المبكر، العمل وفق منظور طويل الأجل، الاهتمام بالنمو.
قواعد عامة للاستعداد للتقلبات الاقتصادية القادمة
نظرًا لأن توقيت التقلبات القادمة لا يمكن تحديده على وجه الدقة، يكون السؤال الأهم هو “كيف” وليس “متى” تستعد الشركات للتقلبات الاقتصادية القادمة.
وفيما يلي نورد بعض القواعد العامة التي تساعد مديري الشركات على تخطي هذه المرحلة الحرجة من عمر الشركة بنجاح:
- التحرك المبكر: يفيد البدء بخطوات مبكرة للوقاية من آثار التقلبات الاقتصادية المتوقعة، في تحقيق استفادة أكبر من الانتعاش النهائي الذي يحدث بعد انتهاء التقلبات. فضلًا عن ذلك يُسهل السعي المبكر من الحصول على القروض البنكية مقارنة بالانتظار حتى حدوث التقلبات والتي تعزف البنوك خلالها عن منح القروض نظرًا لكثرة الضغوط الواقعة عليها. كذلك ينبغي على المديرين في هذا السياق الانتباه إلى إشارات الإنذار المبكر لحدوث أي خلل في أعمال الشركة كانخفاض الإيرادات أو انكماش قاعدة العملاء أو في البيئة الخارجية (مؤشرات الاقتصاد- المنافسين) والتحرك السريع قبل تفاقم الأوضاع.
- الاهتمام بالنمو: الشركات بحاجة إلى تحقيق توازن في الأداء يهتم بنمو الشركة وليس فقط بخفض نفقاتها، حيث يؤثر نمو الشركة على تحسن الأرباح بدرجة أكبر من تأثير خفض النفقات. ومن أجل ذلك على الشركات الاهتمام بالبحوث والتطوير من أجل تحقيق النمو، وما فعلته شركة أبل في عام 2001 مثال على ذلك، حيث أصدرت الشركة أول جهاز iPod، وبالرغم من حدوث ركود اقتصادي في العام نفسه ساهم في انخفاض إيرادات الشركة، إلا أن أبل استمرت في إنتاج الجهاز الجديد وأنفقت المزيد على البحوث والتطوير، وقبل مرور عامين أطلقت متجر iTunes وبعدها بعام واحد فقط أطلقت موديلات جديدة من iPod، مما حقق للشركة معدل نمو سريع مثّل انطلاقة حقيقية للشركة في سوق تكنولوجيا المعلومات.
- توفير احتياطي نقدي وسلعي: كما هو الحال مع الأفراد، يكون من الهام لأي شركة الاحتفاظ باحتياطي نقدي للاعتماد عليه في الأوقات الصعبة ودفع أجور الموظفين.
ولا يقل الاحتياطي السلعي أهمية عن الاحتياطي النقدي، ويقصد به السلع والمواد التي تمتلكها الشركة بغرض إعادة بيعها أو استخدامها في عمليات الإنتاج، لذلك يكون من الضروري للشركة تحليل الطلب المتوقع والاستعداد له باحتياطي سلعي مناسب.
- الحفاظ على السيولة النقدية: في أوقات الطوارئ مثل أوقات التقلبات الاقتصادية، يكون من المهم الحفاظ على درجة سيولة معقولة من النقود، توفر التمويل اللازم للأصول الثابتة للشركة كالمباني والآلات، لذا ينبغي العمل على تسهيل انتقال النقود من المبيعات إلى المصروفات، وتحصيل مدفوعات العملاء بشكل فوري بتقديم خصومات على الدفع الفورى على سبيل المثال.
- توسيع قاعدة العملاء: من المهم لأي شركة الحفاظ على قاعدة عملائها، غير أن أوقات التقلبات الاقتصادية تجعل من هذا الهدف ضرورة حتمية، تستطيع الشركات الحفاظ على عملائها خاصة كبار العملاء VIP ، من خلال إضافة قيمة لعملية الشراء دون تحمل تكاليف إضافية على سبيل المثال تقديم تسهيلات أو استشارات أو مساعدة فنية.
في عام 2017 أطلقت شركة هيونداي برنامج تأميني يسمح لعملائها بإعادة سياراتهم في حالة فقدان الوظيفة، مثّل هذا البرنامج خطوة جريئة من الشركة على طريق الحفاظ على قاعدة عملائها .
فضلًا عن ذلك، على الشركات أن تسعى للحصول على عملاء جدد باستخدام التسويق وعقد شراكات أو قد تضطر لإعادة تحديد الجمهور المستهدف، على سبيل المثال إذا كان نشاط الشركة من نوع Business-to-Business يكون من المفيد لها استهداف العملاء من القطاعات الأقل تأثرًا بالتقلبات كقطاعات الصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات، بدلًا من العملاء من القطاعات الأخرى الأكثر تأثرًا بالتقلبات كقطاعات السلع الفاخرة والترفيه والسياحة.
- الاستعداد لأكثر من سيناريو: تكون التوقعات الاقتصادية في أوقات الاستقرار غير يقينية، فكيف الحال في أوقات التقلبات الاقتصادية؟ الأمر يحتمل أكثر من سيناريو واحد بالتأكيد. لذا ينبغي على الإدارة أن تفترض حدوث سيناريوهات مختلفة والتخطيط لكيفية الاستجابة لكل منها على حدة، وعدم تجاهل أي نقطة ضعف للشركة مهما كانت صغيرة، فقد تكون بابًا للمخاطر في أحد هذه السيناريوهات.
- مراعاة الاختلافات داخل قطاعات الشركة: غالبًا ما يكون رد الفعل الأول للاستعداد لأى خطر محتمل هو توفير موارد الشركة بخفض النفقات والمصروفات، غير أن هذا الإجراء ينبغي ألا يتم بشكل عشوائي، فمثلًا قد تحمل بعض قطاعات الشركة فرص نمو جذابة، بحيث يكون التصرف الأمثل هو حماية ميزانية هذه القطاعات أو إمدادها بالعمالة المناسبة والمعدات هامة، وإجراء التخفيضات اللازمة في أي مكان آخر.
- تبني منظور طويل الأجل: تهتم الشركات بالمحافظة على استمرارية نشاطها وإنتاجها في الأجل القصير للحفاظ على حيوية العمل، ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى تجاهل بُعد النظر والتخطيط طويل الأجل، والذي يحمل فرصًا لتحسين المركز التنافسي للشركة و تحقيق قدر أكبر من النجاح بعد انتهاء التقلبات. فضلًا عن ذلك تُعجل التقلبات الاقتصادية من القيام بالتغييرات الجوهرية الهامة التي طالما تعرضت للتأجيل، وتكشف عن نقاط ضعف لم تكن واضحة في أوقات الاستقرار، بما يحقق نتائج إيجابية على المدى الطويل.
- اغتنام الفرص السانحة: تحمل التقلبات الاقتصادية فرصًا لا تتكرر بإبرام صفقات ثمينة، كشراء شركة أخرى أصغر أو الاندماج بين شركتين، من شأن انتهاز هذه الفرص توفير مبالغ طائلة للشركة، وتحقق الصفقات نجاحًا أكبر إذا تمت مع شركات من نفس القطاع وبثقافات وأهداف مماثلة.
- استخدام الحلول المرنة: في ظل ضبابية المستقبل الاقتصادي وانتشار حالة من عدم اليقين، يكون من المفيد استخدام حلول مرنة، على سبيل المثال تبسيط إجراءات العمل، التخطيط على فترات قصيرة ليسهل التكيف مع المعلومات الجديدة والأحداث الطارئة، تشجيع تنوع الأفكار واختلاف المواهب في الموارد البشرية للشركة، تقييم مدى قوة المنافسين والاستفادة من نقاط ضعفهم بتقديم بدائل جيدة.
- الاستفادة من التكنولوجيا: تحمل التكنولوجيا حلولًا اقتصادية لمشاكل العديد من الشركات وتكون أحوج ما تكون لها في أوقات التقلبات الاقتصادية، على سبيل المثال تساهم التكنولوجيا في ضمان جودة مرتفعة للمنتجات وتقليل معدلات الخطأ في الإنتاج، أيضًا تساهم في تسهيل عمليات الشراء وتبسيط خطواتها .
- تحديد ما هو مهم وما هو غير مهم: ينبغي التركيز على نقاط قوة الشركة من قدرات ومهارات التي مكنت من خدمة العملاء بفعالية وحققت نجاحًا حتى الآن، وأيضًا تلك التي ستكون مهمة في المستقبل. وعلى الناحية الأخرى ينبغي التوقف عن ممارسة الأعمال التي لم تعد تضيف قيمة، أو غير الفعالة، أو التى من الجميل أن تحدث ولكن يمكن الاستغناء عنها، أو الموجودة كتقليد من الماضي لكنها ليست فعالة الآن.
- زيادة إنتاجية الموظفين: تساعد زيادة الإنتاجية في تجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة، ويمكن لمديري الشركات زيادة إنتاجية موظفيهم من خلال العمل على تقليل معدل دوران الموظفين، وتوفير تجربة عمل مرضية للموظف، والسماح للموظفين بإظهار إبداعاتهم وابتكاراتهم بما يخدم مهمة الشركة، وكذلك الاهتمام بتقييم الأداء لتشجيع الموظف على تحسين أدائه وتلافي الأخطاء.
- لعب دور اجتماعي واقتصادي: تحرص الشركات على إبراز الرؤية والرسالة التي تتبناها في تصميم ملف تعريفي للشركة، لذا فإن أوقات التقلبات الاقتصادية تمثل فرصة لتجسيد رؤية الشركة ورسالتها عمليًا، وذلك في ظل تراجع قدرة الحكومات على ممارسة دورها في السياسات الاجتماعية نظرًا للتوترات السياسية المنتشرة في معظم أنحاء العالم.
وهو الأمر الذي يضع الكرة في ملعب الشركات للمشاركة في إضافة قيمة اجتماعية للمجتمعات التي تحتضن أنشطتها التجارية والمساعدة في حل المشكلات البيئية والاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية الملحة، حيث يحسن ذلك من صورتها أمام الجمهور، ويساهم في استمرار دوران عجلة التنمية في المجتمع.
الحصول على إجابات شافية لكل الأسئلة المتعلقة بالتحديات التي قد تنجم عن التقلبات الاقتصادية القادمة هو أمر صعب، يختلف بحسب ظروف الشركة وحجمها ومجال نشاطها ومكان تواجدها وكذلك الظروف الخارجية المحيطة بها، غير أن اتباع القواعد السابقة إن لم يؤدي إلى تحقيق الشركة ازدهارًا بعد مرور التقلبات، فسيساهم على أقل تقدير في تقليل الضغوط التي تتعرض لها الشركات ويخفف من حدة القلق حول ما يحمله المستقبل القريب الغامض.
تم النشر في: أغسطس 2019
تحت تصنيف: ريادة أعمال | نصائح ريادية
هل التقلبات الاقتصادية المتوقعة ستأثر على الأسواق التجارية الالكترونية؟