سليمان محمد الكعبي، يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي في مؤسسة استشراف المستقبل في أبو ظبي منذ عام 2016، ورئيس أكاديمية آفاق المستقبل. قدَّم الكثير من المحاضرات والورش التدريبية في مجال استشراف المستقبل وبناء السيناريوهات المستقبلية في مختلف أرجاء الإمارات والعالم العربي. كما ساهم في بناء الكثير من الخطط الاستشرافية على مستوى حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. في الوقت نفسه، هو مؤلف أول موسوعة علمية باللغة العربية في مجال استشراف المستقبل في العالم العربي تحت عنوان (موسوعة استشراف المستقبل)، ويعتمد على مستقل في كتابة المحتوى والتصميم الخاص بمفهوم استشراف المستقبل.
الكعبي من سكان إمارة الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، يعمل ويدير مؤسسة استشراف المستقبل في أبو ظبي. بدأ حياته في القطاع العسكري، فقد حصد المرتبة الأولى في كلية الشرطة، ما مكّنه من الحصول على منحة حكومية لإكمال دراسة الماجستير والدكتوراه، حتى حصل على درجة الدكتوراه في تخصص استشراف المستقبل كأول عربي يتخصص في هذا المجال بدرجة علمية رفيعة.
نموذج عمل المؤسسة يدور حول التدريب، وكتابة تقارير متخصصة في مواضيع تتعلق باستشراف المستقبل. تعمل المؤسسة خطط استشرافية لعشرين أو ثلاثين سنة، بالإضافة إلى تقارير التوجهات المستقبلية، وكما يؤكد الكعبي على هذه النقطة: «أي مؤسسة ترغب في معرفة التحديات والفرص القادمة لا بد أن يكون لديها تقرير سنوي التوجهات المستقبلية».
ماذا يعني استشراف المستقبل؟
بدأ علم استشراف المستقبل من الخمسينيات، في قطاع الدفاع من خلال مؤسسة راند للأبحاث في أمريكا. كانت الحكومة الأمريكية تبحث خلف سؤالين: هل سيكون هناك ضربة من الاتحاد السوفيتي أم لا؟ وإذا حدثت الضربة ماذا سنفعل؟
لذلك يقوم علم استشراف المستقبل على سؤالين: إذا حدث كذا … نعمل كذا، أو ماذا لو عملنا كذا. تلى ذلك أن تحوّل هذا العلم من القطاع العسكري إلى قطاع الطاقة ثم إلى قطاع الشركات، حتى إن شركة شيل Shell للنفط استثمرت في هذا العلم، من أجل فتح واكتشاف أسواق جديدة.
يشبه مفهوم استشراف المستقبل إلى حد ما التخطيط الاستراتيجي، إلا أنه في حالة التخطيط الاستراتيجي يكون قصير المدى من ثلاث إلى خمس سنوات، أما في حالة استشراف المستقبل نحن نتحدث عن خطة طويلة الأمد ربما تمتد إلى عشرين سنة. لذلك هو تخطيط طويل المدى، وله أدواته ومنهجياته الخاصة به.
يركز استشراف المستقبل في الأساس على المؤسسات الحكومية والخاصة، كيف تُعد سيناريوهات مستقبلية لما سيؤول إليه حال هذه المؤسسات بعد عشرين أو حتى خمسين سنة وربما أكثر. يجري الخبراء استشراف مستقبل هذه المؤسسة من خلال وضع سيناريوهات مستقبلية تحدد لهم ما هي التحديات التي ستواجههم، وما هي الفرص المستقبلية المواتية لهذه الشركة.
بعد مرحلة اكتشاف الفرص والتحديات، ندخل في مجال الخطط الاستراتيجية القصيرة من ثلاث إلى خمس سنوات، من أجل الاستعداد للتحديات واقتناص الفرص، مثل: الدخول في أسواق جديدة، أو التركيز على منتجات جديدة. وهنا تتحقق لهم الريادة في المجال الذي اكتشفه قبل الجميع.
على الرغم من أن الاستشراف موجه للمؤسسات الحكومية والخاصة، فقد ظهر مصطلح جديد يسمى الاستشراف الفردي، وشرح الكعبي ذلك قائلًا: «يكون سؤال الفرد، كيف يمكنني استخدام أدوات استشراف المستقبل للنظر إلى مستقبلي، وكيف يمكنني التنبؤ به».
ويشرح الكعبي الفرق بين التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل قائلًا: «الفرق هو الخيال، لأن استشراف المستقبل قائم على الخيال، نحن نستخدم المؤشرات التي لدينا من أجل فهم الوضع ومن ثم يمكننا فهم المستقبل، كما أننا نفكر بطريقة غير اعتيادية».
لماذا توجّه نحو دراسة هذا العلّم؟
اختيار هذا المجال كان نابع من صميم شخصية الكعبي كما وصف لنا: «أنا صعب جدًا، ولا أرضى إلا بشيء حديث وجديد حتى أطبقه في حياتي، الاستشراف قائم على التغيير وأنا أحب التغيير». بدأ الكعبي بدراسة الدكتوراه في 2010 في تخصص آخر لا يرغب فيه واستمر في هذا التخصص لسنتين، فقد تم اختيار التخصص من قِبل الجهة الحكومية التي ابتعثت الكعبي، إلا أنه لم يكن يحبذ هذا التخصص.
يستعيد الكعبي الذكريات عن تلك المرحلة ويضيف: «بعد انقضاء سنتين من دراسة هذا التخصص توقفت تمامًا، وقلت لنفسي هذا التخصص لا يناسبني». ثم بدأ في البحث عن تخصص مناسب: «لم أكن أعلم أن هنالك تخصص يسمى استشراف المستقبل». في العام 2014 بدأ في دراسة هذا العلم واكتشافه، كانت المعلومات شحيحة جدًا، ثم طوّر من نفسه من خلال القراءة وحضور المؤتمرات المتخصصة في هذا العلم.
كيف تحصّل مواهب في مجال جديد تمامًا؟
بعد عودته للإمارات، وعند إطلاقه لمؤسسة استشراف المستقبل، كانت أبرز التحديات هي في البحث عن المواهب. يؤكد الكعبي ذلك: «لأن المجال جديد لذلك لم أستطع الحصول على مواهب تدرك هذا المفهوم، ويمكنها الكتابة حول موضوعات مستقبلية». إلا أنه حاول إصلاح ذلك: «اضطررت أن أوظف ناس متخصصة في الابتكار والاستراتيجية، ثم بدأت أعلمهم وأدربهم على هذا الفكر وهذا المجال».
أما التحدي الثاني، يكمن في تقبل الناس لهذا المفهوم. يوضح الكعبي: «الناس غير متقبلة بأني سوف أتوقع المستقبل، هذا نوع من الكهانة وهي أفعال محرمة». وبذكاء حاول الكعبي صد هذا الهجوم، من خلال نشر ثقافة استشراف المستقبل كما بيّن لنا: «كنت أقدم محاضرات وندوات وأنشر محتوى، كل هذا مجانًا من أجل كسب شريحة من المهتمين والباحثين عن الاطلاع». ويضيف الكعبي: «دفعت الكثير من مخصصاتي المالية من أجل جذب المزيد من الناس لهذا العلم. وتحسنت الصورة كثيرًا وبدأ الناس في تقبل هذا المفهوم».
أرغب في فكر عربي؛ لذلك لجأت إلى مستقل
بدأ الكعبي في الاستعانة بخبرات المستقلين من خلال المواقع الغربية، إلا أن التوق إلى اللغة العربية جعله يتغير كما بيّن لنا: «كنت أحتاج إلى منصة عربية وكتّاب عرب، فأنا لديّ هم بنشر المعرفة والعلوم باللغة العربية. لذلك كنت أحتاج إلى مواهب تعمل بفكر عربي». وكانت منصة مستقل هي البوابة التي سهلّت للكعبي الوصول لكافة المهارات العربية: «مستقل لديه كفاءات كثيرة، وفيه تخصصات كثيرة جدًا».
يسترسل الكعبي في حديثه موضحًا: «في البدايات لم يكن لدىّ المؤسسة أي موظفين، وكانت هناك تحديات في بعض التخصصات مثل التسويق الرقمي، لذلك ساعدني مستقل في البداية. كل الخبرات التي كانت تنقصني كنت أحصلها من خلال مستقل وخمسات. كانت كتابة المحتوى تؤدّي دورًا أساسيًا في المشروع، وأيضًا عمل التصاميم». ولأنه مستثمر في المحتوى كانت الحاجة الأكبر إلى مستقل كما أخبرنا: «مستقل ساعدني جدًا في البدايات ولا زال».
حاليَا يقوم الكعبي بتأسيس مشروع جديد، وكان الحل الأول والتفكير الأول لأي مشكلة في هذا المشروع الحالي هو اللجوء إلى مستقل.
نحن نتوسع في الخليج
يدرك الكعبي بأن مفهوم استشرف المستقبل، ما زال حديث نسيبًا على مستوى العالم، ويسعى لنشر هذا المفهوم عربيًا. لذلك بدأ بتشكيل مجموعات عمل تستهدف حملة الدكتوراه في الإمارات والسعودية، فيقول: «عملت مع أكثر من خمسة من طلاب الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالسعودية، لدينا نواة عمل تكبر. الأمر نفسه في جامعة الأمير محمد بن فهد التي أنشأت مركز الدراسات المستقبلية، كما هو الحال مع قسم استشراف المستقبل في جامعة الإمارات». هناك حَراك قوي في منطقة الخليج العربي، وكان للدكتور الكعبي مساهمات في كل هذا الحراك الأكاديمي.
المعلومات هي من تساعد على وضع تصوّر واضح عن المستقبل، حتى تأخذ خطوة لتغيير مستقبلك. جيل ألفا المولودين بعد 2010 لديهم نظرة غير اعتيادية غير موجودة في جيلنا، بحكم دخول التكنولوجيا وكمية المعلومات التي يتعرضون لها كل يوم. وهذا ما لاحظه الكعبي في كل الورش التي يقدمها: «ألاحظ أن هذا الجيل هو الجيل الذي يحضر دوراتي. لأن الجيل يتكلم نفس اللغة، لكن ما ينقصهم هو الأدوات التي تمكّنهم من تحليل هذه المعلومات حتى يصلون سيناريوهات مستقبلية واضحة».
في عام 2018 قامت المؤسسة بإطلاق تقرير عن الوظائف والمهارات حتى عام 2040، وتعمل حاليًا على فتح الفرع الثاني في السعودية. أيضًا دولة الإمارات بدأت في مشروع استشراف المستقبل في الإمارات وهذا ساعدهم على نشر هذا المفهوم عربيًا.
إن كنت صاحب مشروع على مستقل، وترغب في أن تشاركنا قصة نجاحك، فنرحب بتواصلك معنا عبر البريد الإلكتروني: marketing@hsoub.com.
تم النشر في: يونيو 2022
تحت تصنيف: قصص نجاح | قصص نجاح أصحاب المشاريع