تعد مهمة تحديد الأولويات واحدة من أهم وأقدم التحديات في مكان العمل، فمع تراكم المهام التي عليك إتمامها، يصبح الأمر مربكًا فيما يستحق اهتمامك وجهدك أولاً، ما يؤدي إلى الشعور بالتوتر والضغط النفسي اللذان سيؤولان بك دون إنجاز أي شيء غالبًا. لذا يجب أن تلتزم بنظام واضح يمكِّنك من السيطرة على زمام الأمور في عملك دون تقدم إحدى المهام على الأكثر منها أولوية. لكن كيف يمكنك تحقيق ذلك؟
أهمية تحديد الأولويات
تعود إمكانية تحديد الأولويات في العمل عليك بالفوائد الجمة، ليس فقط في حياتك المهنية، بل إن ذلك يمتد إلى جوانب نفسية وحياتية أيضًا. تشير الإحصائيات بأنك ستوفر ساعتان يوميًا، في حال قضيت عشرة دقائق فقط في ترتيب أولوياتك بداية اليوم! تكمن أهمية تحديد الأولويات فيما يلي:
أولًا: الموازنة بين العمل والحياة
ترتيب الأولويات والعمل عليها يسرّع من الإنجاز، وبذلك تحصل على مزيد من الوقت لممارسة نشاطات أخرى أو للحصول على قسط من الراحة لشحن بعض الطاقة، بدلاً من الاستغراق في ساعات عمل طويلة. يساعد ذلك على الموازنة بين الأمور الحياتية والوظيفية ويمنع تعرض الموظف إلى الاحتراق الوظيفي الذي قد يسببه الانغماس في العمل لغالبية اليوم. إضافةً لذلك، ستتحول مع الوقت مهمة تحديد الأولويات إلى مهارة تطبقها في شتى أمور حياتك.
ثانيًا: زيادة معدل الإنتاجية
عندما تحدد أولوياتك في العمل قبل البَدْء فيه، فإنك بذلك تزيد من التركيز وتقلل من التشتت والارتباك بتخصيص وقتك للأهم قبل أي شيءٍ آخر، يعزز ذلك من كفاءة وفعالية جهدك دون أن يذهب سدى، وبهذا تحقق أفضل نتائج. ثم أن زيادة الإنتاجية تحسن من سمعة الموظف في بيئة العمل وتزيد من فرص تسلقه السلم المهني وتحقيق ما يطمح له.
ثالثًا: تقليل التوتر والضغط النفسي
وجود الكثير من المهام والعجز عن القيام بها وفق استراتيجية سليمة يزيد من عبء العمل، ثُمّ الإرهاق والتوتر لعدم القدرة على إنجاز المطلوب. في الجانب الآخر، تحديد أولوياتك يثمر جهودك بتحقيق النتائج المرجوة دون وجود ضغوط نفسية تعيقك عن العمل.
رابعًا: إدارة الوقت بشكل سليم
يعد تحديد الأولويات وإدارة الوقت مصطلحان مرتبطان معًا بشدة، فمعرفتك لما هو أهم وما يستحق طاقتك أولاً يجعل له أولوية في يوم عملك، بالتالي إدارة ناجحة للوقت دون أن يضيع في ساعات تفكير خالية من الفعل أو في جهود غير مثمرة! سيضمن لك ذلك استثمارًا فعالاً لوقتك وجهدك بتوجيههما في المسار الصحيح.
كيفية تحديد الأولويات في العمل
تحديد الأولويات ليس بالمهمة السهلة وغالبًا ما يغفل الناس عنها تحت وطأة العمل، بسبب كثرة الضغوط والانشغال. لكن لحسن الحظ، يمكنك تدريب نفسك على خطوات بسيطة تجعل تنفيذها متعة تتغلب على مصاعبها:
1. اكتب قائمة بجميع المهام المطلوبة
يأتي التحديد الفعال للأولويات من معرفة كل ما تحتاج إلى إنجازه، لمنح نفسك صورة كاملة وواضحة تستطيع تحليلها دون نسيان شيء. احرص على تدوين حتى أكثر المهام عادية وخذها في الحسبان، من الجيد أيضًا تضمين المهام الشخصية التي من الممكن أن تتخلل ساعات العمل،لما لها من تأثيرٍ في استهلاك الوقت.
كما يجب أن توفر قائمة المهام الخاصة بك معلوماتٍ واضحة ووافية عن المواعيد النهائية لكل مهمة، سيساعدك ذلك على التخطيط وفقًا لهذه المهام، فإن تحديد الأولويات في التخطيط يعد أمرًا أساسيًا للخروج بخطة ناجحة. إن لم يتم توسيم مواعيدٍ نهائية رسمية لبعض المهام، حاول أن تحدد ذلك بنفسك، لأن عدم تطبيقه سيودي بك إلى كثرة التأجيل والتسويف.
2. سلّط الضوء على الأهم أولاً
من المهم جدًا أن تدرك الفرق بين الأهم والمهم في العمل، يُنصح أن ترتب المهام وفق الأهمية والإلحاح، يتم ذلك بتصنيف كل مهمة حسب التصنيفات الأربعة التالية وفق مصفوفة ترتيب الأولويات:
توجد طريقة أخرى في ترتيب الأولويات تسمى بمنهجية المهام الأكثر أهمية (Most Important Tasks (MIT، تتضمن هذه الاستراتيجية إنشاء قائمة منفصلة يومية تتكون من عدد محدد من المهام يجب إنجازها خلال اليوم فقط، إضافةً إلى الموعد النهائي. عند تجهيزك لهذه القائمة، خذ بالحسبان المهام التي تمتلك أكبر تأثير على النتيجة النهائية.
3. تجنب تضارب المهام
عندما لا تكون المهام التي تعمل عليها صعبة أو بحاجة إلى تركيزٍ تام، فمن السهل نسبيًا إدارتها جنبًا إلى جنب. لكن مع زيادة الصعوبة، يصبح الأمر مربكًا في إدارة المهام وإنجازها على الوجه المناسب، ما يؤدي إلى انخفاض جودة الأداء والنتيجة. لذا، يعد تجنب المهام المزدوجة أو المتزامنة والعمل على كل مهمة على حِدة أبرز عوامل التركيز، بحيث يُبعد عقلك عن أي مشتتات أخرى تستهلك تفكيرك.
4. خذ الجهد المبذول لكل مهمة في الحسبان
بعد كتابتك لقائمة مهام طويلة ودسمة، سيشعرك التحديق بها بالضغط النفسي وربما ستلجأ حينها إلى التسويف خوفًا من مواجهة الضغوط المحتومة. يمكن التغلب على ذلك بالبدء بتقدير الجهود المبذولة لكل مهمة، ما يعينك على اختيار المهمة التي تناسب طاقتك الحالية ما دام التوقيت ليس بالأمر الجلل. يمكنك البَدْء أيضًا بالمهام التي تتطلب الحد الأدنى من الوقت والجهد لتتنقل عبرها بسرعة، ما يمنحك شعورًا بالإنجاز يدفعك نحو العمل والاجتهاد.
5. كن مرنًا وقابلًا للتكيف
يُنصح دائمًا بأن تكون مرنًا في التخطيط، فمن المحتمل جدًا أن تتغير أولوياتك مع الوقت، لذا خطط لما هو غير متوقع، وفّر بعض الوقت في جدولك لأي شيء طارئ ومفاجئ لم يكن في الحسبان. يمكنك دومًا الخروج بقائمة مناسبة مهما أضفت أو حذفت منها، المهم أن تتضمن أولوياتك اليومية.
6. تجنب المشتتات
مفتاح الإنجاز هو التركيز فيما تفعل. سيؤدي وجود مشتتات حولك إلى إلهائك عن العمل المطلوب. وعلى هذا، عدم إنجازه في التوقيت المناسب، ما يُحدث خللًا في جدولك ووقتك. يؤثر ذلك على جميع المهام التي تلي المهمة الحالية! لذا حاول توفير بيئة عمل مناسبة تساعدك على التركيز في عملك بعيدًا عن أي شيءٍ آخر، حتى تتمكن من الانتهاء وفقًا للخطة، وستنعم بعد ذلك بقسطٍ من الراحة وشعورٍ مُمتلِئ بالرضا عن جهودك الحثيثة.
7. افهم أهدافك
قد تبدو مهمة تحديد الأولويات وسيلة فعالة لإدارة الوقت لا أكثر، إلا أنها تعد أمرًا أساسيًا في تحقيق الأهداف الكبيرة طويلة المدى! يساعدك معرفة ما تعمل من أجله أو ما تود الوصول إليه على تحديد المهام الأكثر صلة بالنتائج المستقبلية المرادة. يتم ذلك بتقسيم الأهداف الكبيرة، أي إن تجعل من هدفك السنوي أهدافًا شهرية يتحقق بنهايتها ما تريده، وأن تصبح أهدافك الشهرية قوائم مهام أسبوعية، التي تصبح بدورها أولويات يومية عليك العمل بها.
يعد هذا التفكير بعيد الأفق شاملاً وفعالاً في إتقان تحديد الأولويات، فيجعلك تدرك القيمة لكل مهمة تقوم بها، وتتجنب ملء يومك بمهام تهدر الوقت ليس إلا. من المهم أن نضع الهدف النهائي في الحسبان. اسأل نفسك أسئلة موجهة نحو الهدف لتساعدك في تحقيقه، مثل:
- ما المهام التي سيكون لها أكبر تأثير على النتيجة النهائية؟
- ما الذي يمكنني فعله اليوم لتعزيز تقدمي نحو هذا الهدف؟
8. كن واقعيًا
بعد تحديد مهامك وترتيب أولوياتك حسب تقديراتك، ألقِ نظرة واحرص على أن تكون التقديرات والمهام متوافقة مع يومك وفي نطاق قدرتك بما يسمح به وقتك ومشاغلك الأخرى. لا تكلف نفسك كثيرًا لدرجة تصل بها إلى العجز عن الإكمال بما خططت له، سيشعرك ذلك بالإحباط، مع أنّ كل ما كان عليك فعله هو تضمين مهام بقدرٍ معقولٍ لا أكثر. خذ نفسًا عميقًا ثم ركز على الأشياء الرئيسية كخطوة انطلاق.
9. راجع قائمة مهامك باستمرار
من المهم أن تراجع قائمة الأولويات بشكلٍ متكرر، بهدف استعادة السيطرة والتركيز لسرعة تدارك الأمور المهمة ومواعيدها النهائية، والنظر أيضًا في أي حاجة لإعادة ترتيب القائمة أو الإضافة عليها والتعديل وفقًا لذلك. تعمل هذه الاستراتيجية كوسيلة تنبيه لك للعمل والإنجاز وفق الجدول.
ختامًا، مهما كانت جودة جدولك في تحديد الأولويات وترتيبها، من المستحيل تقريبًا أن تتجنب كل المعيقات والمشتتات التي لن تمكنك من تحقيق كل ما هو مطلوب في القائمة أحيانًا، لا بأس بذلك ما دمت تجتهد باستمرار في إنجاز عملك وِفق موعده وبالنتيجة المنتظرة. كل شيء ممكن، المهم أن تحاول القيام بدورك دومًا.
تم النشر في: ديسمبر 2021
تحت تصنيف: العمل الحر | تطوير المهارات