عندما انضممتُ إلى متجرٍ إلكتروني يبيع منتجات صديقة للبيئة كمختص في التسويق بالمحتوى وتحسين محركات البحث، كانت الشركة تواجه العديد من التحديات: الزيارات الشهرية محدودة، ومعدلات التحويل لم تتجاوز 0.5%، والمتجر كان بعيدًا عن الظهور في النتائج الأولى لمحركات البحث، رغم جودة منتجاته.
كان الأمر واضحًا: الحاجة إلى الوصول الفعّال للجمهور باتت ملحة. فكيف وظفتُ استراتيجيات المحتوى وتحسين محركات البحث لتحقيق قفزة هائلة في الأداء الرقمي وزيادة المبيعات؟
المرحلة الأولى: تحليل المتجر الإلكتروني
بدأتُ بمراجعة شاملة للمتجر الإلكتروني لتحديد نقاط الضعف المتعلقة بكلا الجانبين بدقة والعمل على معالجتها. شملت هذه المرحلة الجوانب التالية:
أداء الصفحات
بعض صفحات المتجر، مثل صفحات المنتجات، كانت تستغرق أكثر من 5 ثوانٍ لتحميلها، مما أثر على ترتيبها في محركات البحث وزاد من معدل الارتداد بنسبة 40%! وبعد التحليل، تبينت المشكلة في الصور غير المضغوطة والكود غير المحسّن.
وصفحات أخرى بمحتوى غير جذاب أو لا يتجاوز 300 كلمة، كانت متأخرة أيضًا بمحركات البحث.
الكلمات المفتاحية
بعد تحليل الكلمات المفتاحية التي يستخدمها الجمهور المستهدف ومقارنتها بالمتواجدة في المتجر، وجدتُ أن استخدام كلمات مثل “المنتجات المستدامة” كبير رغم أن مستواها التنافسي مرتفع. بينما كانت هناك فرص لاستهداف كلمات مثل “المنتجات القابلة لإعادة الاستخدام”، التي تتمتع بحجم بحث جيد ومستوى تنافسي أقل، مما قد يساعد في تحسين ترتيب الموقع.
جودة المحتوى
عثرتُ على عدد من الصفحات التي تحتوي أوصافًا مكررة للمنتجات، بالإضافة إلى نقص في استخدام النصوص البديلة Alt Text للصور. كما لاحظتُ غياب بعض العناصر المهمة مثل الروابط الداخلية، التي يمكن أن تساعد في تحسين التفاعل بين صفحات المتجر وزيادة وقت التصفح.
المرحلة الثانية: فهم الجمهور
قبل الشروع في وضع خطة تحسين بناءً على النتائج، أجريتُ أبحاثًا عميقة ومتنوعة لفهم الجمهور المستهدف، لضمان توجيه الجهود التسويقية بالشكل الأمثل. شملت هذه الأبحاث:
تحليل البيانات الديموغرافية
ركزتُ على فهم التركيبة السكانية للجمهور، كالعمر والجنس والموقع الجغرافي والاهتمامات الرئيسية، واستخدمتُ أدوات تحليل مثل Google Analytics وFacebook Insights.
كشفت النتائج أن الفئة العمرية الأكثر اهتمامًا بالمنتجات المستدامة تتراوح بين 25-34 عامًا، مع تركيز ملحوظ في المناطق الحضرية. كما أن 65% من الجمهور إناث، واهتماماتهم الرئيسية تشمل منتجات العناية الشخصية الصديقة للبيئة.
دراسة السلوك الشرائي
من خلال الاستطلاعات، تبين أن 80% من العملاء يجدون جودة المنتج العامل الأهم عند اتخاذ قرارات الشراء، يليها السعر والتوفر المحلي. كما أشارت النتائج إلى أن المستهلكين يفضلون المنتجات ذات التغليف القابل لإعادة التدوير بنسبة 70%.
البحث في قنوات التواصل الاجتماعي
عند تحليل تفاعل الجمهور على إنستقرام وبنترست، لاحظتُ أن المنشورات التي تتناول “طرق تبني نمط حياة مستدام” تحقق أعلى معدلات التفاعل. كما يبحث الجمهور غالبًا عن حلول لتقليل استخدام البلاستيك في حياتهم اليومية، ما يشير إلى الحاجة لمحتوى توعوي أكبر في هذا المجال.
تحليل المنافسين
درستُ استراتيجيات الشركات المنافسة لفهم كيفية جذبها للجمهور وتحديد الفجوات التي يمكن استغلالها. بعضهم يركز كثيرًا على التسويق عبر المؤثرين، بينما توجد فجوة في توفير محتوى تعليمي عالي الجودة حول فوائد المنتجات المستدامة، مما يمثل فرصة لتعزيز مكانة العلامة التجارية من خلال المحتوى القيّم.
التفاعل المباشر
أحيانًا، يكون التفاعل المباشر وسيلة فعالة في محاورة الجمهور والوصول إلى اهتمامات لا يمكن تحديدها بالوسائل الأخرى.
تواصلتُ مع العملاء عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وحصلتُ على ردود تفيد بأنهم يبحثون عن حلولٍ عملية لتحقيق الاستدامة في حياتهم اليومية، وهو أمر يمكن استغلاله في تقديم محتوى عملي.
إنشاء شخصيات العملاء Buyer Personas
طورتُ شخصيات خيالية مثل “سارة”، امرأة في الثلاثينيات تهتم بالاستدامة وتريد منتجات طبيعية للعناية الشخصية، و”خالد”، رجل أعمال يبحث عن منتجات صديقة للبيئة لمكتبه. ساعدتني شخصيات العملاء في تخصيص المحتوى التسويقي بما يتناسب مع احتياجات كل شريحة من الجمهور.
المرحلة الثالثة: وضع استراتيجية محتوى
بناءً على التحليل الذي توصلنا إليه، بدأتُ إعداد استراتيجية شاملة للمحتوى. لكن قبل ذلك، أوصيتُ بتطبيق عدة عوامل لتحسين محركات البحث، فكلا الجانبين متكاملين، وجزء كبير من فعالية المحتوى يعتمد على الوصول للمتجر من محركات البحث. هذه العوامل هي:
- حل المشكلات التي تؤثر على سرعة التحميل، مثل حجم الشيفرة البرمجية، وتحسين تنسيقات الصور باستخدام صيغ حديثة مثل JPEG وPNG.
- إنشاء خريطة موقع Sitemap محدّثة وربطها بـGoogle Search Console؛ لفهرسة بيانات المتجر وتسهيل عملية وصول محركات البحث إليها وفهمها.
- تحسين التعرف على المحتوى من خلال تضمين الكلمات المفتاحية الرئيسية في عنوان الصفحة والوصف التعريفي والعناوين الرئيسية H1 وH2 في محتوى الصفحة.
- بناء روابط خارجية Backlinks من مواقع ذات موثوقية عالية تخاطب جمهورًا مهتمًا بالمنتجات التي يقدمها المتجر الإلكتروني.
بعد تطبيق هذه الإرشادات، أعددتُ خطة مدونة مضمّنة، تتناول مواضيع تهم الجمهور المستهدف. الهدف هنا هو تقديم محتوى قيّم، يساعد الجمهور على تبني ممارسات صديقة للبيئة، ما يعزز مصداقية المتجر، ويزيد من حركة المرور العضوية عبر محركات البحث، ويكون فرصة عظيمة للإحالة للمنتجات.
تتضمن المدونة عادةً ثلاثة أنواع مهمة في طبيعة المحتوى:
- محتوى تعليمي: يكون خلاصة للتجارب والخبرات في تحقيق الاستدامة، مثل: “10 نصائح لتقليل النفايات في المنزل”.
- أدلة مجانية: لتكون محتوى طويل ومفصّل يتيح للزوار الحصول على إرشادات شاملة، مثل: “دليلك الشامل لتبني نمط حياة مستدام”.
- قصص نجاح العملاء: الذين تبنوا نمط حياة مستدام بفضل منتجات المتجر، هذا النوع يبرز تجارب حقيقية ويعكس تأثير منتجات المتجر، ما يحفز الجمهور أكثر على اتخاذ قرارات شرائية.
استراتيجية المحتوى لا تتوقف هنا، إذ أوصي دائمًا بتعزيز القيمة عبر إعادة تدوير المحتوى على الشبكات الاجتماعية، وإنشاء نشرات بريدية شهرية بقائمة المقالات، وفيديوهات قصيرة توضح استخدام المنتجات بطريقة مبتكرة. كما ينبغي تنفيذ حملات إعلانية على محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي.
المرحلة الرابعة: تنفيذ استراتيجية المحتوى
بدأنا بتحديد قائمة تضم 50 كلمة مفتاحية مهمة و150 كلمة فرعية، شملت كلمات مثل “منتجات صديقة للبيئة”، و”أدوات منزلية مستدامة”، و”كيفية تقليل النفايات البلاستيكية”. مع مراعاة ألا تكون درجة المنافسة عالية جدًا، ومعدل البحث الشهري جيد، يتراوح بين 50-1000.
بعد ذلك، حددنا المواضيع الأولى لمقالات المدونة، وأوصيت بنشر 4-6 مقالات شهريًا، لضمان تنوع المحتوى وتحقيق التوازن بين الجودة والانتظام في النشر، مما يزيد من فرص الوصول لجمهور أوسع وزيادة تفاعلهم، وتعزيز التواجد الرقمي.
أول موضوعين اخترنا البدء بهما كانا مرتبطين بشكل رئيسي بطبيعة المتجر عمومًا، وهما:
- “كيف تختار منتجات صديقة للبيئة تناسب ميزانيتك؟”
- “أفضل 10 منتجات لتقليل استهلاك البلاستيك في حياتك اليومية.”
النتائج: نجاح استثنائي في وقتٍ قياسي
بعد 6 أشهر فقط من تنفيذ الاستراتيجية، شهد المتجر زيادة في الزيارات الشهرية، من 2000 إلى 10,000 زيارة شهريًا، وارتفعت معدلات التحويل لتصل إلى 2% بعد أن كانت 0.5%، والمبيعات زادت بنسبة 150%.
الفضل الأكبر لهذه النتائج عاد لاستراتيجيات التسويق بالمحتوى وتحسين محركات البحث، إذ ظهرت المدونة في الصفحة الأولى من نتائج بحث 15 كلمة مفتاحية رئيسية مستهدفة في الأشهر الأولى، وزادت نسبة المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 300%.
لم تتوقف الفوائد عند هذا الحد. فبفضل التحسينات المستمرة، استمرت الشركة في جذب المزيد من العملاء وبناء قاعدة عملاء مخلصة.
هذه التجربة هي شهادة حقيقية على أهمية الاستثمار في استراتيجية المحتوى كوسيلة رئيسية لاكتساب ثقة الجمهور، وضرورة تكاملها مع تحسين محركات البحث لضمان الوصول للجمهور المستهدف بفعالية.
ما أوصيك به هو تخصيص وقتًا كافيًا للتحليل والتخطيط لاتخاذ قرارات سليمة، والاستعانة دائمًا بالخبراء لتحقيق نتائج مستدامة. وأخيرًا، الصبر، فالتحسينات الرقمية تحتاج وقتًا.
تم النشر في: فبراير 2025
تحت تصنيف: التسويق الرقمي | التسويق بالمحتوى