
ربما تساءلتَ كصاحب شركة أو مشروع: كيف يمكن لعملك أن يحقق نموًا أسرع؟ أو ما الذي ينقصه حتى يبلغ الشركات الأكبر حجمًا والأوسع نطاقًا؟
بعد خبرة تتجاوز العشرين عامًا في استشارات الأعمال، أؤكد لك أن النمو لا يتحقق فقط بإدارة ناجحة للعمليات اليومية، بل هو نتاج مسار استراتيجي دائم يتعلق بقدرة الشركة على المنافسة والتوسع. سأصطحبك في رحلةٍ عملية لمسار تطوير الأعمال، بدءًا من كيفية البدء به وتحديد المشكلات التي تبطئ نمو شركتك، إلى التغلب عليها اعتمادًا على التخطيط الدقيق.
ما المقصود بتطوير الأعمال؟
لنبدأ بمثال نفترض فيه أن مبيعات شركتك مستقرة في سوقٍ معين، وتستهدف شريحة محددة. لكنك تريد تعزيز فرص المبيعات وتوسيع شريحة عملائك. هنا ستستخدم إحدى استراتيجيات تطوير الأعمال، وهي عملية مستمرة تبدأ بالانتباه لأهمية التطوير الإيجابي للشركة، ثم استغلال الفرص والموارد في تحقيق تغييرات تدريجية، ترفع من قوة الشركة التنافسية وتعزز النمو والربحية، وتُعد من أكبر ضمانات استدامة الأعمال.
هناك العديد من استراتيجيات تطوير الأعمال التي يمكن أن تتبناها شركتك حسب الأهداف والقدرات، من أهمها:
- تطوير المنتج: ويتضمن تحسين المنتجات الحالية، أو إضافة منتجات جديدة تحقق رضا العملاء الحاليين بشكل أكبر، وتتيح الفرصة لاستهداف عملاء جدد.
- اختراق السوق الحالي: ويستهدف زيادة حصة الشركة السوقية من خلال تطوير أساليب التسويق والبيع، وتحسين قنوات التواصل مع العملاء أو تعزيزها.
- استهداف أسواق جديدة: ويشمل دخول أسواق جديدة جغرافيًا، أو الوصول إلى شرائح مختلفة من العملاء. يمكنك تغطية الجانبين من خلال إطلاق متجر إلكتروني مثلًا، إن كنت تنتهج البيع المباشر مسبقًا.
أذكّرك أن تطوير الأعمال نشاط مستدام، وليس شرطًا أن يتعلق بالمبيعات مباشرةً، بل يمكن أن يشمل تطوير بنية الشركة ذاتها. لذلك، توجد عدة استراتيجيات تستهدف تطوير البنية التنظيمية للشركة، وهي:
- تطوير فريق العمل: ويشمل إعادة توزيع المهام والصلاحيات، وتعديل نظام التوظيف، بما يتضمن تحديد المهام التي تُؤدى من خلال موظفين دائمين، والتي تستدعي الاستعانة باستشاريين أو مستقلين متخصصين في مجالات مختلفة.
- التحول الرقمي: تحدد الأهداف وطبيعة العمل أولويات التحول وتدرّجها، وقد تتضمن تطبيق أنظمة في أقسام محددة، مثل برنامج خدمة العملاء، أو نظام يشمل عدة أقسام مثل نظام تخطيط موارد المؤسسات ERP.
- تطوير الإجراءات التشغيلية: من خلال تحسين تدفق العمليات لزيادة الكفاءة، ووضع سياسات وإجراءات موثقة بدليل داخلي لضبط العمليات واتخاذ القرارات بناءً على معايير محددة.

كيف تنبهك الظواهر إلى الاستراتيجية المناسبة؟
حتى تكون استراتيجيتك في تطوير الأعمال أكثر ذكاءً، أنصحك بالانتباه إلى الظواهر والتحديات التي تواجهها في شركتك، لتكون الموجّه الأساسي لاختيار الاستراتيجية المناسبة. يمكننا تقسيم هذه الظواهر إلى نوعين:
1. ظواهر متعلقة بحجم المبيعات
هل ترد ملاحظات متكررة من العملاء على منتجاتك؟ أو طلبات إضافية لا تلبيها شركتك؟ مثل تعليقات على جودة المنتج أو خامات التعبئة، أو طلب إضافة خدمة التوصيل أو الدفع عند الاستلام. ينبهك ذلك إلى حاجة الشركة لاستراتيجية تطوير المنتجات.
وإذا واجهت صعوبة في تحقيق مبيعات أعلى رغم إضافة تحسينات على منتجك، أو شعرت أن عدد العملاء الحاليين لا يتوافق مع حجم السوق الذي تستهدفه. هنا ستحتاج إلى تطوير أساليب تسويقية قوية في السوق الحالي، كالعروض الترويجية مثلًا، أو توسيع دائرة عملائك باستهداف أسواق جديدة، خصوصًا عندما تصلك استفسارات من جمهور خارج نطاق استهدافك.
2. ظواهر متعلقة بالبنية الداخلية للشركة
عندما تجد نفسك مشغولًا بمهام تنفيذية تستهلك وقتك وتؤخر قراراتك الاستثمارية، أو تجد مشكلة باستقرار الكفاءات لفترة طويلة في شركتك، ضع بالحسبان تطوير الهيكل التنظيمي في الشركة وتعزيز الموارد البشرية، وتحسين الإجراءات التشغيلية إذا لاحظت تفاوتًا في أداء الموظفين أو تأخرًا مكررًا في تنفيذ إجراء معين.
أما لو كانت المشكلة تتعلق بطبيعة العمليات التشغيلية، مثل إدخال البيانات ذاتها في أكثر من برنامج، أو تأخر التقارير التي تطلبها، فهذه مؤشرات على ضرورة تحسين التحول الرقمي في شركتك وتطبيق أنظمة أكثر كفاءة. على سبيل المثال، يمكنك استخدام نظام إدارة علاقات العملاء CRM أولًا، والعمل بالتوازي على توثيق الإجراءات تمهيدًا لتطبيق نظام تخطيط موارد المؤسسات ERP.
خطوات عملية لبناء استراتيجية تطوير أعمال ناجحة
بعد خبرات عملية كثيرة، توصلت إلى ثلاث خطوات تضمن تنفيذ استراتيجية تطوير الأعمال بنجاح، واستغلال الموارد المتاحة بالشكل الأمثل، وهي:
أولًا: حلّل الموقف الحالي لشركتك
من أكثر طرق التحليل التي أوصي بها: تحليل نقاط القوة والضعف الداخلية، ومن ناحية أخرى الفرص والتهديدات الخارجية، وهو المعروف بتحليل سوات SWOT، ويتم كالتالي:
- نقاط القوة: العوامل الداخلية الإيجابية بالشركة، مثل القدرة التشغيلية العالية، وفريق العمل القوي، وتنوع المنتجات. ومنها أيضًا التطور التكنولوجي والبنية الفنية.
- نقاط الضعف: التحديات الداخلية مثل الأداء المتواضع لفريق العمل، أو ارتفاع نسبة المنتجات ضعيفة الجودة، وأيضًا ضعف القدرة على التحصيل ونقص السيولة.
- الفرص: العوامل الخارجية التي تأتي في صالح الشركة، مثل زيادة الطلب على منتج ما، أو اللوائح والقوانين المواتية لمصلحة الشركة.
- التهديدات: العوامل الخارجية السلبية، مثل ظهور منافسين أقوياء، أو قرار حكومي يفرض رسوم إضافية على نوعية المنتجات التي تقدمها الشركة.
ثانيًا: ضع أهدافًا عملية
في الخطوة السابقة عرفنا أين شركتك من الوضع الحالي، والآن ستحدد أين تريد أن نكون؟ لتحديد أهداف قابلة للتحقيق، يجب أن تتصف بالخصائص الآتية:
- محددة: أهداف دقيقة تركز عليها الاستراتيجية، مثل: رفع حجم المبيعات من المنتجات الحالية، أو الوصول إلى أفضل مزيج من المنتجات للشريحة المستهدفة.
- قابلة للقياس: يمكن قياسها ومتابعة تقدمها بوضوح، مثلًا: زيادة المبيعات بنسبة 50%.
- واقعية: يمكن تحقيقها من خلال الموارد المتاحة أو ضمان توفير اللازم، مثل: زيادة زوار مواقع وقنوات الشركة لتحقيق نمو 50% في المبيعات
- أهداف ذات صلة: يكون الوصول إليها مرتبطًا بأنشطة الشركة وإمكاناتها، وتمثل خطوة نحو تحقيق أهداف الشركة الكبرى.
- أهداف محددة زمنيًا: وذلك بوضع إطار زمني ملائم للأهداف، مثل: تحقيق نسبة زيادة في المبيعات الشهرية خلال عام.
ثالثًا: حدد ملامح استراتيجيتك
حسب تجربتي، فإن استخدام التحليل العكسي TOWS يساعد دائمًا في تطبيق الاستراتيجية الأفضل، من خلال ربط نتائج تحليل سوات بصورة تمكننا من الاستفادة بنتيجة هذه المواءمة لتحقيق هدف معين للشركة، ومن ثم بناء الاستراتيجية المناسبة. لنوضح ذلك بأمثلة عملية:
1. مواءمة نقاط القوة مع الفرص الخارجية
- نقطة القوة: “قاعدة عملاء كبيرة، نسبة عالية منها اشترت أكثر من مرة”، يمكن دمجها مع فرصة الطلب المتزايد على نوع منتج متواجد في شركتك مع المنتجات المكملة له.
- الهدف المرتبط: زيادة حجم المبيعات بنسبة 25% من خلال طرح منتجات جديدة خلال الثلاثة أشهر القادمة.
- الاستراتيجية المناسبة: تطوير منتجات مرتبطة بالمنتج في الشركة. على سبيل المثال، تستطيع إضافة الإكسسوارات المكملة للملابس، لزيادة حجم مبيعات العملاء الحاليين.
2. استغلال الفرص للحد من نقاط الضعف الداخلية
- الفرصة: “زيادة الإقبال على الشراء عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي”، يمكن استغلالها بمعالجة ضعف الإمكانات الفنية والبشرية للتسويق الرقمي بالشركة.
- الهدف المرتبط: زيادة عدد الزيارات لموقع الشركة وحساباتها الاجتماعية بنسبة 50% خلال شهرين.
- الاستراتيجية المناسبة: تطوير إمكانات الموارد البشرية من خلال تطوير مهارات فريق العمل، والاستعانة باستشاري للتسويق الرقمي.
3. استخدام نقاط القوة الداخلية لتقليل أثر التهديد الخارجي
- نقطة القوة: “القدرات الفنية والتقنية العالية في إدارة المتجر”، يمكنك استغلال ذلك في الحد من قوة المنافسة بعد دخول منافسين جدد للسوق الحالي.
- الهدف المرتبط: إتاحة توصيل المنتجات إلى ثلاث مناطق جديدة خلال شهر.
- الاستراتيجية المناسبة: التوسع في أسواق جديدة، باستخدام القدرات الحالية في تحليل البيانات التاريخية للمبيعات لتوفير معلومات عن أذواق العملاء، وأسرع الوسائل للفت نظر العملاء الجدد، تمهيدًا لاستهداف أسواق جديدة.
4. رصد مخاطر التهديد والحد من تأثيره في ظل نقاط الضعف الداخلية
- التهديد الخارجي: “ارتفاع أسعار المدخلات، سواء المنتجات أو أجور العمالة”، يمكن أن يعزز ذلك نقص السيولة المتاحة بالشركة.
- الهدف المرتبط: تحقيق إيرادات من خدمات إضافية بنسبة 10% من إجمالي الإيراد بدءًا من الربع القادم.
- الاستراتيجية المناسبة: استغلال الإمكانات المتاحة في الشركة لإضافة منتجات وخدمات مختلفة عن المنتجات النمطية، مثل إتاحة مركز اتصالات لشركة أخرى تعمل في مجال مختلف، للاستفادة بالقوى البشرية وإمكانات الشركة في تحقيق إيرادات أكبر.
تأتي الآن مرحلة إعداد خطة العمل وفق الاستراتيجية المختارة، المهم هنا هو تقسيم الخطة حسب نطاق الاستراتيجية إلى: خطة تسويقية، وخطة تشغيلية، وخطة مالية، بحيث ترتبط كل خطة فرعية بالاستراتيجية المحددة. راعِ خلال ذلك تكامل الخطط؛ فالخطة التسويقية مثلًا تعتمد على إمكانات تشغيلية، والخطة التشغيلية تتطلب موارد مالية ينبغي أن تكون جزءًا من خطتك المالية. وتذكّر أن الخطة تستمد قوتها من التقسيم المرحلي للمهام، ووجود مؤشرات للمتابعة.
ختامًا، أوصيك بتعزيز مشاركة فريق العمل منذ البداية، وتوضيح انعكاس نجاح الاستراتيجية على طبيعة العمل وأدوارهم الوظيفية، حتى تحقق أقصى استفادة ممكنة وتعزز الكفاءة. تذكّر أن تطوير الأعمال لا يستوجب تحول مفاجئ في ثقافة الشركة أو تعطيلًا للعمل بصورته الحالية، فهو عملية مستمرة ينبغي أن تكون جزءًا من أسلوب الإدارة والتحسين.
تم النشر في: أبريل 2025
تحت تصنيف: ريادة أعمال | استشارات أعمال
أحتاج إلى عمل
أهلًا بك سليمان، إذا أردت العمل من خلال منصة مستقل، يمكنك الاطلاع على مقال: كيفية العمل على موقع مستقل وتحقيق أول 25 دولار