كيف تبقي الأمور تحت سيطرتك إذا عملت على مشروعين متزامنين؟

منذ ما يقرب عامين، وعندما كنت أعمل على مشروع كبير على منصة مستقل، وظفني عميل سابق على مشروع جديد أثار حماسي. فكرت في الاعتذار عن قبول المشروع، لكن الحقيقة غلبني شغف التجربة، ووافقت على تنفيذ المشروع.

ورغم محاولاتي الحثيثة لتوزيع جهدي ووقتي بين المشروعين، إلا أن ما حدث هو طغيان المشروع الأول على الثاني لتفاصيله الكثيرة. وبدلًا من تقديم أفضل ما لدي في المشروعين، قدمت أداءً متوسطًا في المشروع الثاني، ما كاد أن يؤثر على علاقتي الطيبة بالعميل.

لماذا لا يُحبذ العمل على أكثر من مشروع في وقت واحد؟

أتفهم أنك قد ترى العمل على مشروعين معًا يعني دخلًا أكبر، وهذا صحيح من الناحية العملية، إلا أنه مخاطرة كبيرة وخسارة محتملة بقوة على المدى البعيد، خصوصًا عندما لا يكون ضمن قدراتك أو وقتك.

في حالتي، كان التقصير في مشروع واحد، وعلاقتي الطيبة السابقة بالعميل منحتني فرصة لتصويب الأمر. لكن تخيل السيناريو الأسوأ: أن تعمل على مشروعين معًا، وينتهى بك الحال إلى تقديم أداء متوسط أو سيئ في المشروعين، ألن يؤثر هذا على تقييمك النهائي الذي يُعد رأس مالك في العمل الحر؟

لا يتوقف الأمر هنا؛ لأن ظهور أنك تعمل على أكثر من مشروع في وقتٍ واحد قد يقلل من فرص توظيفك. ضع نفسك مكان صاحب المشروع، هل ستختار توظيف مستقل يظهر في حسابه أنه يعمل حاليًا على مشاريع أخرى، أم مستقل متفرغ متاح للعمل على مشروعك فقط؟

تذكر أيضًا أنه وإن كنت تعمل بشكلٍ حر، فلديك عدد ساعات عمل محددة يوميًا، وعائلة والتزامات شخصية أخرى تتطلب اهتمامك، والاستغراق في العمل على مشاريع متعددة سيخل بالتوازن بين حياتك العملية والشخصية. ما الحل إذن؟

مشروع واحد عالي القيمة أفضل من العمل على مشروعين

لذا بدلًا من العمل على مشروعين معًا، ركز من البداية على اقتناص المشاريع الكبيرة الأعلى قيمة التي تحقق لك دخلًا أعلى يتناسب مع وقت العمل عليها. واحرص على تنمية مهاراتك وخبراتك لتعزيز فرص حصولك على مشاريع أفضل، وبذلك تزيد من الأسعار التي تحصل عليها.

صحيح أنك قد لا تجد هذه المشاريع الكبيرة في بعض الفترات، هنا لا مشكلة بالعمل على المشاريع الأصغر، لكن احرص على تحديد نطاق زمني ضيق لإنجاز المشروع بما يتناسب مع حجمه وسعره، والتأكيد على صاحب المشروع بموعد التسليم لأنك ستلتزم بأعمال أخرى بعده.

في بعض الحالات، قد يتأخر تسليم العمل بسبب تعطل من طرف صاحب المشروع، مثل انتظار مراجعته، أو توفير بعض الموارد والإيضاحات، أو حتى انقطاعه عن التواصل لأسباب شخصية. يمكنك هنا الاقتراح عليه استلام المرحلة المنتهية من المشروع، واستكمال العمل فيما بعد عند تفرغه أو عندما يصل لتصور محدد. حتى تتمكن من الانتقال إلى مشروع جديد.

في جميع الحالات، وأيًا كان حجم المشاريع التي ستعمل عليها، فأنصحك بالاستثمار في عضوية مستقل، لأنها توفر لك فرصًا للتقدم على عدد أكبر من المشاريع شهريًا، ما يمنحك مرونة اختيار المشاريع التي تعمل عليها حسب ظروفك. كما تساعدك على إبراز المزيد من نماذج أعمالك ومهاراتك في حسابك، ما يمنحك ميزة تنافسية على بقية المستقلين.

كيف تحافظ على تركيزك عند العمل على مشروعين معًا؟

إن حدث وعملت على مشروعين في الوقت ذاته، ستحتاج إلى قدرة عالية على تنظيم المهام وإدارتها. لذا إليك بعض النصائح المجربة لإنجاز المشروعين بكفاءة:

1. احرص على التواصل الفعّال مع عملائك

يمثل التواصل مع العميل ركنًا أساسيًا في نجاح المشروع. لذا في أثناء عملك على المشروعين، التزم بالمتابعة الدائمة مع كل عميل. مثلًا: أجب عن أسئلته في الوقت المحدد، وإذا ذكرت أنّك متاح في فترات معينة، فاسعَ للتواجد خلالها للرد السريع عليه.

احرص كذلك على مشاركة تحديثات المشروع مع كل عميل دوريًا في المواعيد المحددة دون تأخير. وإذا طلب العميل إجراء اجتماعًا صوتيًا معك، فكن منفتحًا على ذلك، بحيث تضمن تحقيق أقصى فاعلية من عملية التواصل.

وهنا، انتبه لنقطة غاية في الأهمية: ليس معنى أنّك ترغب في الالتزام مع العميل أن تعده بما لا يمكنك تقديمه، كأن تقبل مواعيد تسليم غير مناسبة لحجم المهام المطلوبة. ففي النهاية، المهم هو تقديم الجودة المطلوبة في عملك، وهذا لن يحدث إلا بمواعيد منطقية للتنفيذ والتسليم.

2. حدد مهام كل مشروع

الخطوة العملية الأولى الآن هي أن تحدد مهام كل مشروع ومواعيد تسليمها بدقة. الطريقة الأمثل لتحديد ذلك تعتمد على وصف المشروع والتواصل القائم بينك وبين العميل عند بدء العمل. لنفترض مثلًا أن أمامك مشروعين: واحد لبرمجة تطبيق هاتف على أندرويد، وآخر لإصلاح مشكلات تقنية في تطبيق على متجر جوجل.

اكتب مهام كل مشروع بشكلٍ منفصل، لمراعاة أن لكل منهما خطًا زمنيًا قائمًا بذاته. ثم تفاصيل كل مهمة وموعدًا أوليًا لتسليمها، مع مراعاة الأولويات لكل مشروع حسب حجمه ومتطلباته.

أنصحك هنا بتقسيم المهام إلى مهام أصغر عن المعتاد، فهذا سيمنحك ميزتين: أولهما هي إمكانية العمل على المشروعين في اليوم نفسه، وإنجاز مهام منفصلة لكل مشروع. وثانيهما ضمان عدم التأخر في تنفيذ المطلوب؛ فالمهام الصغيرة تعني مواعيد تسليم قريبة، وبذلك مراقبة تقدمك في التنفيذ بدقة.

3. نظّم جدول العمل

احرص عند تنظيم جدول عملك على تحديد مواعيد تسليم المهام والاجتماعات لتكون بعيدة عن بعضها البعض في المشروعين قدر الإمكان، والمهام الموجودة في موعد متقارب اجعلها مهام بسيطة يمكن الجمع بينها، أو خصص فترة جيدة لتنفيذ كل مهمة بما يسمح بإنجازها في المواعيد المحددة دون تأخير.

بالطبع، لا يكون الأمر دائمًا بالتصور الذي نريده في الواقع؛ وهذا يتطلب بعض المرونة في التنظيم وإعادة هيكلة الجدول والتوقيتات. لكن ضع في حسبانك دائمًا أن يكون التقسيم النهائي لجدول العمل مناسبًا لك قدر الإمكان.

4. استخدم تطبيقات إدارة المهام

تساعدك أدوات تنظيم المهام على إدارة أعمالك بكفاءة عالية، خصوصًا عندما تعمل على مشروعين في الوقت نفسه. يمكنك استخدام أي أداة تناسبك، لكني أرشح لك -بناءً على تجربتي الشخصية- أداة أنا من شركة حسوب، فهي تتيح لك إمكانية بناء لوحة العمل بالتفاصيل التي تريدها، وتوفر تطبيقات داخلية تسهّل تنظيم كل شيء.

تستطيع إدارة مهامك في تطبيقات مخصصة تتضمن مواعيد التسليم والتفاصيل لكل مهمة، وكتابة أي ملاحظات واردة ستساعدك في إنجاز العمل بشكلٍ أفضل، مع وجود تقويم شهري يساعدك في التخطيط جيدًا للخط الزمني للمشروعين.

5. ركّز على مهمة واحد في المرة

عندما تعمل على مشروعين معًا، فإن واحدة من الأفكار التي قد تتبادر إلى ذهنك هي العمل على أكثر من مهمة في الوقت ذاته، وهذا الأمر لن يفيدك بقدر ما يضرك؛ لأنه سيؤدي إلى نفاد طاقتك وتشتت انتباهك بين المهام، وستكتشف أنك في النهاية لم تنجز شيئًا، مع عدد كبير من المهام غير المكتملة.

لذا، بناءً على جدول العمل الخاص بكل مشروع، خطط في بداية يومك للمهام التي ستؤديها، وعندما يحين موعد المهمة، ركز عليها دون التفكير في المهام الأخرى. وعندما تنتهي منها، انتقل إلى المهمة التالية. بهذا ستشعر بالإنجاز في العمل، وأنه يمكنك فعلًا تنفيذ المشروعين.

مثلًا، لا تبدأ في برمجة بعض المتطلبات في تطبيق المشروع الأول، ثم تذهب إلى تحليل مشكلة في التطبيق الثاني، بعدها تقطع عملك وتعود إلى برمجة التطبيق. غالبًا سيؤدي ذلك إلى التشتت وفقدان التركيز. والأفضل هو البدء بالمهمة الأولى وإنهاؤها كاملةً، ثم الانتقال إلى مهمة المشروع الثاني، أو العكس.

ختامًا، أنصحك بعد نهاية التجربة بتقييمها بصورة شاملة للتفكير في قدرتك على التعامل مع مسألة تنفيذ مشروعين في وقتٍ واحد. وإذا وجدت أن الجودة في أحد المشروعين تأثرت فعلًا، فلا تكرر هذه التجربة مرة أخرى؛ لأن التركيز على الجودة هو الأولوية دائمًا، فهذا الأهم لاستدامة عملك الحر.

تم النشر في: ديسمبر 2024
تحت تصنيف: العمل الحر | نصائح للمستقلين