في السادس والعشرين من فبراير عام 2008 قرر هوارد شولتز فور عودته لمنصب الرئيس التنفيذي لستاربكس إغلاق 7100 فرعًا لمدة ثلاث ساعات، اعتذر خلالها عمال ستاربكس من الجماهير المنتظرة على الأبواب عن تقديم المشروبات، وكان السبب الذي تم إعلانه هو إعادة تدريب الباريستا (عمال صناعة القهوة) على فن صناعة الإسبريسو. لم يتخذ شولتز ذو صفات القيادة الفعالة هذا القرار الجريء والاستعراضي إلا لكي يُنقذ الشركة من تراجع كبير كانت تمر به، حيث رأى شولتز أن سبب التراجع هو اهتمام الشركة بإدخال التكنولوجيا في عملية صناعة القهوة وتنويع المشروبات، وتدني الاهتمام بالسبب الفريد الذي ميز قهوة ستاربكس عن غيرها منذ بدايتها، وهو القهوة الطازجة فريدة المذاق.

مثّل قرار شولتز إلى جانب قرارات أخرى ثورية كإقالة العديد من المديرين وغلق الفروع التي لا تحقق نتائج جيدة، رسالة ملهمة لموظفيه بأن التركيز على حاجات العملاء سيعود من جديد ليمثل الرسالة التي يلتزم بها المقهى تجاه عملائه، وأن الشركة لن تتردد في اتخاذ قرارات ثورية من أجل استعادة معدلات مبيعاتها من جديد، وهو ما نجح شولتز في تحقيقه خلال فترة تولية رئاسة الشركة. مثل هذه القرارات الجريئة التي اتخذها شولتز تلهم الموظفين وتحفزهم على العمل والإنتاجية.

ماذا تعني القيادة الفعالة؟

القيادة الفعالة وأن تكون قائدًا ملهمًا تعني أن يكون الدافع وراء عمل موظفيك هو دافع داخلي برغبة حقيقية من القلب أو العقل دون الارتباط بنتائج معينة منتظرة، ويعني أن شعور موظفيك بالرسالة التي يقدمونها والمهمة التي يقومون بها كافيين لاستمرارهم بالعمل، ويعنى أيضًا أنهم إذا ما أصابهم التعب فإن شعورهم بالإلهام يمنحهم القدرة على العودة للعمل من جديد لتمسكهم بهذا الشعور لأطول فترة ممكنة.

تخبرنا نتائج البحث الذي أجرته شركة Bain عن القيادة الفعالة أن إنتاجية الموظفين الملهَمين تكون أكثر من ضعف إنتاجية غيرهم من الموظفين غير الملهَمين، لم يعد الإلهام صفة قيادية ثانوية، وإنما وفقًا لاستطلاع رأي أجرته شركة IBM؛ جاءت القدرة على إلهام فريق العمل في المركز الثالث كأهم صفة قيادية.

أفضل طرق القيادة الفعالة

لكي تكون قائدًا ذو سمات قيادية فعالة فإن أفضل الطرق التي يمكنك استخدامها كي تلهم موظفيك وتحقق أروع أداء ممكن لشركتك:

1. ألهم نفسك

كيف تلهم الآخرين بعملهم دون أن تكون أنت ملهمًا بعملك؟ يخبرك سيمون سينك المحاضر التحفيزي وخبير القيادة خلال محاضرة ألقاها في تيد بعنوان “كيف يُلهم القادة الكبار الناس للتحرك؟” عن الطريقة التي تلهم بها نفسك، وهي أن تسأل نفسك هذه الأسئلة: ما هو هدفك؟ ما هي قضيتك؟ ما هو إيمانك؟ ولماذا شركتك موجودة في هذه الصناعة؟ لماذا تنهض كل صباح من النوم؟ ولماذا يجب على أحدهم الاهتمام بذلك؟

ضرب سينك المثل بشركة أبل التي لا تروج لنفسها على أنها “تقوم بصناعة أعظم الحواسيب الجميلة سهلة الاستخدام”، ولكن تخاطب جمهورها تسويقيا برسالة مفادها “نؤمن أننا نتحدى الوضع الراهن ونؤمن بالتفكير بطريقة مختلفة، والطريقة التي نعتمدها لتحدي الوضع الراهن هي بصنع منتجات مصممة بجودة وجمالية عالية، سهلة الاستخدام وسهلة التعلم”. لا تكتف بالإجابة على الأسئلة السابقة، ولكن أخبر موظفيك بحماس عن إجاباتك، فبمجرد فهمهم لها، سيعلمون أنهم لا يسعون لتحقيق أرباح فقط، ولكن يسعون لإحداث فرق في صناعاتهم أو مجتمعهم أو العالم بأسره.

2. حافظ على هدوئك في الظروف الصعبة

صنفت شركة Bain في بحثها عن أهم سمات القيادة الفعالة التي تلهم الموظفين، صفة “التمركز” (Centeredness) كأهم صفة أجمع عليها المشاركون في البحث، وتعني الوصول إلى حالة ذهنية تمكن القادة من التحلي بالهدوء عند وقوعهم تحت ضغط، وذلك من أجل حضور ذهني كامل في الموقف الحالي يؤدي إلى اتخاذ قرارات رشيدة.

يرى الباحثون أن التعامل بهدوء عند الوقوع تحت ضغوط يمنح الإنسان درجة عالية من اليقظة واستيعاب كامل للموقف الحالي ويحسن من قدرته على التعاطف مع الآخرين والاستماع بعمق، ومن أجل ذلك نصح الباحثون بممارسة بعض التقنيات التي تخلص القائد من الانفعالات كالتنفس العميق والابتعاد عن الحاسب الشخصي لبعض الوقت وتمديد الساقين والتفكير في الأمور بحيادية.

3. كن جريئًا في قراراتك

القيادة الفعالة واتخاذ القرارات

إذا كنت ترغب أن يتصرف موظفوك بطريقة إبداعية وغير روتينية فعالة، عليك أولًا أن تتصرف بهذه الطريقة كي تكون ملهمًا لهم، إذ يحقق اتخاذ قرارات جريئة في الأوقات المناسبة نتائج بناءة ويتجاوز عقم التفكير الروتيني، وما فعله هوارد شولتز في ستاربكس مثال على القيادة الفعالة.

مثال آخر، عندما أصبح بول أونيل رئيسا تنفيذيًا لشركة  ألكوا العملاق الأمريكي لصناعة الألومنيوم، كان يعلم أن الهدف الأول الذي ينبغي التركيز عليه هو تحقيق السلامة للعاملين، ومن أجل ذلك، طلب إعداد تقرير على وجه عاجل عن جميع الحوادث الخاصة بالسلامة التي حدثت سابقًا، وعبّر طلبه هذا عن مدى التزامه بتحقيق هدف سلامة العاملين، وهو الهدف الذي ما لبث أن تحقق بالفعل، فخلال فترة وجيزة تحسنت مستويات السلامة في الشركة بشكل كبير، وبلغ معدل حوادث السلامة في ألكوا  5% فقط من المتوسط العام لحوادث السلامة في الولايات المتحدة الأمريكية.

بالإضافة إلى أنه عندما تولى آلان مولالي رئاسة شركة فورد في وقت عصيب كانت الشركة تعاني فيه من خسائر هائلة وانخفاض في حصتها السوقية، وخلال أحد اجتماعات الشركة صفّق مولالي لأحد المديرين (مارك فيلدز الذي أصبح خليفة له)عندما اعترف علنًا بفشله أثناء الاجتماع، وكان هذا التصرف لمولالي الفريد من نوعه في تاريخ فورد تصرفًا ملهمًا للموظفين بأن ثقافة الشركة تتغير باتجاه الانفتاح والصدق في التواصل بين الإدارة والموظفين حول المشاكل التي تمر بها الشركة.

4. اهتم بالميزة التنافسية لشركتك

في ظل المنافسة السوقية المحتدمة في مختلف قطاعات السوق، أصبح من سمات القيادة الفعالة أن تهتم كقائد بالميزة التنافسية التي تقدمها شركتك وتتميز بها عن غيرها من الشركات، على سبيل المثال إذا كانت الميزة التنافسية لشركتك هي الابتكار فلا ينبغي أن يكون توفير النفقات على رأس أولوياتك، ولكن باعتبارك قائدًا ملهمًا عليك أن تمنح الميزة التنافسية لشركتك اهتمامًا غير عاديًا، وأن تخصص لها حصة ضخمة من الموارد لا تساوي حصة غيرها من المزايا، وأن توفر لمتخذي القرار في شركتك الحرية التي يحتاجونها لمواصلة تحقيق التفوق في هذه الميزة.

5. كن جديرًا بالثقة

بما إن الإلهام هو شعور نفسي ينبع من الأعماق لذا فهو بحاجة إلى ثقة حقيقية لتحفزه، وتعد النزاهة والصدق والأمانة والجدية والحزم أسبابًا قوية تكسب بها ثقة موظفيك وبالتالي يتكون لديهم الاستعداد المطلوب لتلقي إشارات الإلهام منك، وباعتبارك قائدًا وأفعالك دائمًا تحت المنظار، يملك موظفوك إحساسًا صادقًا بمدى أمانتك وأخلاقيتك، لذا في مسعاك إلى القيادة الفعالة ينبغي أن يكون لسان حالك معبرًا عن مقالك وأن تفي بوعودك وأن تصدق في حديثك، وأن تكون مصلحة موظفيك بالنسبة لك لها الأولوية على تحقيق مزيد من الأرباح، وأن تعيش أسلوب حياة أخلاقي.

6. عبر عن شكرك وامتنانك

المال يثير الدوافع ولكن الشعور بالتقدير والشكر يثير الإلهام، ويعزز من رضا الموظفين، ويشعرهم بأن مجهوداتهم مرئية ومُقدرة، ويشجعهم على العمل والإنتاجية، ويقلل من معدل دوران التوظيف، لذا من أهم سمات القيادة الفعالة أن لا تتردد في أن تشكر موظفيك بطرق مختلفة، كأن تكافئهم ماديًا عندما تسمح ميزانية الشركة بذلك، أو أن تعبر لهم عن امتنانك بإخبارهم بالقيمة التي يضيفونها للشركة وكيف أنهم يحدثون فرقًا في الصورة الكبيرة لأداء الشركة، وأن تثني على أدائهم عندما يحسنوا، ومن شأن استخدام عبارة قصيرة مثل “شكرًا لك، لم يكن هذا العمل ليتم بدونك” أن تكون كفيلة بإلهام موظفيك وتشجيعهم.

7. تواصل بانفتاح مع موظفيك

القيادة الفعالة والتواصل بانفتاح

خصصت ماريسا ماير أثناء فترة عملها كنائب رئيس مجلس إدارة جوجل 90 دقيقة يوميًا بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية في الساعة 4 م، لتتيح الفرصة للموظفين التعبير عن آرائهم وطرح أفكار جديدة، واعترفت أن العديد من مشاريع جوجل الناجحة كانت بدايتها في هذه المقابلات غير الرسمية، لذا في طريقك إلى القيادة الفعالة عليك ألا تكتفي بطرح رؤيتك وأفكارك على موظفيك، ولكن عليك أيضًا أن تتبع سياسة الباب المفتوح مع موظفيك وأن تسمح لهم بمشاركة أفكارهم ووجهات نظرهم وتلقي ملاحظاتهم

8. لا تنفرد بالرأي

من أكثر الكلمات الملهمة في العمل الجماعي هي “نحن” و”معا”، ومن الطبيعي أن مشاركة الأفراد في صنع قرار ما تزيد من درجة دعمهم للقرار عند التنفيذ، لذلك كن متعاونًا مع موظفيك ولا تكتفي بأن تستمع لهم وأن تتلقى ملاحظاتهم، واعمل معهم جنبًا إلى جنب بدلا من الإصدار المستمر للتوجيهات، فمثلًا اسمح لأفكارهم بتشكيل أهداف شركتك وخطة العمل والرؤية والرسالة، واجعل أفكارهم ترسم إجراءات تحقيق الأهداف، وعزز من إحساس الجميع بالقيمة، فكل شخص له أهميته في العمل ومُشارك في تحقيق النجاح، وذلك كي تقوّي من شعورهم بالفخر والملكية فيما يقومون به من عمل.

اقرأ أيضًا: بعض العلامات للقائد السيء.

9. تعرف على موظفيك عن قرب

القيادة الفعالة تعزز من التفاهم الإنساني العميق مع الموظفين، فمن المهم أن تتعرف على قيمهم ومعتقداتهم واهتماماتهم الشخصية، فمثلًا: ما الذي يدفعهم للاستيقاظ يوميًا والذهاب إلى العمل؟ ما الذي يجعلهم يشعرون بالاستمتاع والقيمة أثناء ممارسة عملهم؟ ما الهوايات والاهتمامات الأخرى التي تمثل لهم أهمية خاصة؟ وما هو ترتيب العمل بالنسبة لهم ضمن سلم أولويات حياتهم؟

على سبيل المثال يملك الموظفين المتزوجين والذين لديهم أطفال تصورًا مختلفًا عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية عن غيرهم، إذا احترمت القيم والاحتياجات المختلفة لكل موظف عن غيره فأنت حينها تتعامل بعدالة مع الجميع، وستلهم موظفيك بتحسين أدائهم تحت مظلة قائد يحترمهم ويراعي احتياجاتهم جيدًا.

10. كن كاريزميًا

بين الكاريزما والإلهام علاقة وثيقة، فالشخصية الكاريزمية تملك القدرة على إلهام أتباعها بسهولة لكي يكونوا أكثر ولاءً ويقدموا أفضل ما لديهم، ومن شأن التحلي ببعض السمات البسيطة للشخصية الكاريزمية أن ترسل إشارات دفء وترحيب في التواصل اليومي مع موظفيك، سمات كالابتسام، تواصل العيون الثابت، عدم عقد الذراعين أو الرجلين، وكما تقول الكاتبة الأمريكية مايا أنجلو “قد لا يتذكر الناس دائمًا ما تقوله، لكنهم لن ينسوا أبدًا ما جعلتهم يشعرون به”.

11. لا تتردد في توضيح أسبابك

أحد المزايا التي تملكها كقائد أن أوامرك نافذة دون الحاجة إلى إبداء الأسباب، فأنت تملك الثقة والمصداقية الكافية لذلك، ولكن وفقًا لنتائج إحدى الدراسات النفسية ، يؤثر شرح الأسباب على كيفية تلقي الطرف الآخر لطلبك بطريقة إيجابية ويشجعه على التنفيذ، لذلك سيكون من الأفضل أن توضّح أسبابك عند اتخاذ قرار ما، كي تحصل على استجابة أكثر إيجابية وفعالة من موظفيك.

12. كون رؤية واضحة كالشمس للمستقبل

لا يوجد شيء أكثر إلهامًا من مستقبل مشرق مليئ بالطموحات الكبيرة والجريئة، لذلك فإن معرفتك للمستقبل الذي تخطط له وتحديدك للأهداف التي تسعى لها بدقة سيمثل وقودًا لإلهام موظفيك بالعمل والسعي، كوّن رؤية واضحة وتفصيلية للمستقبل الذي تطمح في الوصول إليه وطريقة الوصول إليه بالخطوات والإجراءات.

وفي السياق ذاته يمكنك ربط أهداف شركتك بأهداف موظفيك، فمثلًا إذا ما أقنعت موظفيك بأن تحقيق هدف زيادة المبيعات بنسبة 50% هذا العام سيعود عليهم بمزايا مثل الأمن الوظيفي وسياسات وقت جديدة مرنة ومزايا للأمهات العاملات، فسيلهمهم هذا بالسعي بكل طاقتهم لتحقيق هذا الهدف.

13. كن إيجابيًا بلا حدود

القيادة الفعالة والإيجابية

القائد الملهم لا يعدم حيلة في تجنب الاستسلام لليأس والكآبة، فهو يعلم أن الاستسلام لن يحقق أي نتائج، لذلك بوسعك دائما كقائد ملهم أن تعثر على الجانب المشرق في أي مشكلة، وبالطبع ستحدث مشاكل حتمًا في كل شركة، ولكن استكشاف الأخطاء وإصلاحها هو الإجراء المطلوب في هذا الحين، لذا انشر الإيجابية فيمن حولك عند مواجهة التحديات والإخفاقات، كي تلهمهم باستمرارية العمل ومقاومة الاستسلام للفشل.

في الختام، طرق القيادة الفعالة والتأثير على الموظفين كثيرة، ويمكنك زيادة قدراتك لكي تكون قائدًا ملهمًا بتحقيق التفوق في نقاط القوة الموجودة لديك بالفعل وتحويل نقاط الضعف إلى الحياد، لذا لا تترد في صقل مهاراتك القيادية وبذل الجهد الكافي لكي تصبح قائدًا ملهمًا فريدًا من نوعك، وتُحقق من رأسمالك البشري (موظفيك) أفضل نتائج ممكنة. أخبرنا في التعليقات بالطرق الإضافية للقيادة الفعالة التي أثّرت بها أو بك.

تم النشر في: تطوير المهارات