مرورك هنا يعني أنك على الطريق، وتستعد لتكون استشاريا في مجالك. سواء كنت تعمل في مجال الأعمال، أو القانون، أو التسويق، أو غيرها، فإن تطوير مهاراتك وتنفيذ مشاريع تضيف قيمة حقيقية للشركات يؤدي إلى نقطة فارقة، تعطي فيها رؤية أوسع وصياغة حلول استراتيجية.
هذا المقال أبعد ما يكون عن النصائح النظرية، بل هو خلاصة تجربة لمثل هذا التطور: من تنفيذ مهمة محددة، إلى توجيه العميل إلى طريقة العمل والمهام المتممة للأهداف بفعالية.
من هو الاستشاري؟
الاستشاري هو شخص لديه خبرة عميقة في مجاله، يُطلب منه الرأي والتوجيه في مسائل معقدة ضمن تخصصه. مثل صياغة نموذج العمل وتقديم توصيات لدعم جدوى المشاريع في عالم الأعمال، أو إعداد استراتيجيات تسويقية واقتراح توجهات الحملات واستهداف العملاء، أو تحليل الهيكل التنظيمي للشركات واقتراح سياسات التوظيف وآليات تحفيز الموظفين في مجال الموارد البشرية.
مع ملاحظة أنك حين تصبح استشاريا لا يعني أن تترك التنفيذ بالضرورة، لكن أن تبدأ بتقديم فكرك وخبرتك كقيمة أساسية. فأهم ما يميز الاستشاري هو إدراكه للصورة الكاملة.
الخطوات العملية – كيف تصبح استشاريًا في مجالك؟
كان يُطلب مني تنفيذ بعض المهام المحاسبية؛ كإجراء القيود والتسجيلات، ثم تطور الأمر إلى مهام أعقد، مثل ضبط الإعدادات والقوائم الرئيسية في البرامج المحاسبية، إلى أن استجمعت الخبرات التي مررتُ بها وتعرفت على عميل في إطار بحثه عن مؤدٍ لمهام مشابهة. ولكني لاحظت أن خطة الأتمتة ليست الأفضل، لذا اقترحت عليه تحسين الخطة أولًا.
وبالفعل، تغيرت المهمة من “إعداد شجرة حسابات النظام” إلى “إعداد خطة أتمتة إجراءات العمل المحاسبية ومتابعتها”. والفارق هنا، أنني لأول مرة قيّمت الأمر من تصور أشمل، بمراعاة احتياجات الشركة وفقًا لحجمها ومدى تعقيد إجراءاتها.
والآن، لنحدد في نقاط كيف يمكنك الوصول إلى مستوى يؤهلك لتقييم الوضع واقتراح حلول تساهم في تحسين سير العمل:
1. حدد نطاق تخصصك بدقة
أولًا، اسأل نفسك: ما المشكلات التي تستطيع حلها بكفاءة؟ وكيف ترتبط بتخصص دقيق يحتاجه السوق؟ مثلًا: يمكنك وضع استراتيجيات محتوى في إطار التسويق الإلكتروني، أو أنت مطور متمكن من تأمين مواقع الويب وتستطيع اكتشاف الثغرات وتنفيذ الحلول البرمجية.
باختصار، حدد تخصصك الدقيق الذي جمعت فيه خبرات وقدمت من خلاله خدمات مدفوعة حققت نتائج عملية، مثل زيادة الإيرادات أو تحسين التكاليف التشغيلية أو إضافة ميزة تنافسية. فالشركات لا تشتري من الاستشاري معرفة مجرّدة، بل نتائج، وتبحث عن التخصص لا العموميات.
2. طوّر مهاراتك بشكل منهجي
التطور إلى مستوى الاستشاري في مجالك يتطلب خطة تؤهلك لذلك. انطلق من التحديات التي واجهتها في مشاريعك السابقة، والملاحظات التي دونتها في كل مرة، وحلل متطلبات دورك واحتياجات الشركات التي تبحث عن استشاريين في مجالك. ثم ادرس سبل التطوير الأفضل. قد تكون دورة تدريبية متخصصة من جهة موثوقة، أو دراسة أكاديمية، أو شهادة معتمدة؛ خصوصًا إذا كنت تعمل في مجال القانون أو الأعمال.
في تجربتي مثلًا، بعدما اتجهت إلى مجال تحليل إجراءات الشركات ونظم إدارة موارد المؤسسات ERP، بدأت بتحديد دوري، الذي يشمل توثيق الإجراءات المالية والتشغيلية وتطويرها، لتقديمها إلى المطورين لتفعيل النظام بما يلائم طبيعة العمل. وفي هذا السياق حصلت على عدة دورات تدريبية، بدءًا من دورات تحليل الأعمال، إلى شهادات معتمدة مثل Oracle Cloud ERP Financials و Oracle Cloud Project Managment، ثم دورة في مجال إدارة المشروعات التكنولوجية؛ لأكون ملمًا بقواعد إدارة المشروعات التي أشارك بها، مما مكنني من تقديم حلول أكثر نضجًا وشمولًا.
هذا النهج يسمى T-shaped skills، حيث تختار تخصص دقيق للتعمق به، وتتعرف على الأمور المرتبطة به لضمان فهم احتياجات المشروع من جوانب مختلفة تُكمل الصورة المطلوبة. المهم أن تضع في الحسبان أن هذه الخطوة مستمرة، فينبغي أن تتابع المستجدات في مجالك وتطور المهارات اللازمة لمواكبتها دائمًا.
3. ابنِ هويتك الرقمية كاستشاري
ينبغي أن يعبر تواجدك الرقمي عن خبراتك الاستشارية؛ لتعزيز وصولك للعملاء. ابدأ من حسابك على مستقل، واسرد خبراتك في النبذة مع تجنّب التعميم الزائد، أي قدّم نفسك بعبارات تتعلق بالمشكلات التي تستطيع حلها أو المنفعة التي ستعود على مَن يطلب استشارة، مثل “استشاري تطوير أعمال” أو “استشاري أمن معلومات”.
ثم أثبت هذه الخبرات بمعرض أعمال يبرز تخصصيتك وجودة خدماتك، اذكر في كل عمل التفاصيل التي تهم العميل وتساعده في تقييم ارتباط خدماتك بما يحتاجه، مثل دراسات الحالة والنتائج الموثقة.
بعد ذلك، ابدأ بالترويج لخبراتك من خلال مشاركة تقييمات عملائك على الشبكات الاجتماعية، خصوصًا المهنية مثل لينكد إن، ونشر محتوى متخصص في مجالك، كنصائح ورؤى تُظهِر دورك الاستشاري. يمكن أن يكون ذلك تدوينات، أو منشورات، أو حتى فيديو أو بودكاست، اختر النوع الذي تبرع به أكثر.
4. حسّن مهاراتك الاستشارية
أبلغني أحد الأصدقاء أنه وقع عقدًا مع إحدى الشركات كاستشاري للتسويق الرقمي، وأنها المرة الأولى له بهذا المسمى، فقلت له: “إذن، تصرف كاستشاري”، وعندما سألني ماذا أقصد بذلك، أخبرته بالتالي:
- الملاحظة والتحليل: اهتم بالتفاصيل والبيانات السابقة للشركة، مع تحليلها وربطها بالنتائج الحالية؛ لكشف الفرص المحتملة والمشكلات الخفية.
- التواصل الفعّال: كن مستمعًا جيدًا، وحافظ على تواصل جيد مع الإدارة المعنية بالخدمة، وكذلك مع الإدارات الأخرى. وتعلّم أن تربط أفكارك التي تناقشها دائمًا بأهداف العميل.
- الاهتمام بالتوثيق: لا تعتمد فقط على المحادثات الشفهية، بل حافظ على توثيق الاجتماعات والمراسلات، وأيضًا المتطلبات والنتائج.
- العرض الملائم: يتفاوت أسلوب تقديم المعلومات بناءً على الغرض. فالتقرير مثلًا يُقدَم عادةً للفرق الفنية التي تحتاج إلى تفاصيل دقيقة وتحليل شامل، بينما العرض التقديمي يُستخدم في اجتماعات الفريق الإداري ويعتمد على تلخيص النقاط الرئيسية بدقة. أما الملخص الشفهي، فيوجه إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى معلومات مباشرة غالبًا لحل مشكلة عاجلة، ويُفضل توثيق المحادثات الشفهية بإرسال بريد إلكتروني لاحقًا.
5. عزز وصولك للعملاء
الاستشاري الناجح لا ينتظر العملاء، بل يصنع بيئة تجذبهم. لذا ينبغي أولًا التفكير ببناء أصولك الرقمية، موقع شخصي يظهر للعملاء المستهدفين في محركات البحث، ويعرض خبراتك الاستشارية باحترافية وإقناع. شارك كذلك في المؤتمرات والفعاليات المتعلقة بمجالك، وأنشئ ندواتك الرقمية، أو شارك كاستشاري في مقابلات تناقش موضوعات في مجالك.
ختامًا، تذكر أن الوصول إلى مستوى الاستشاري يكون تطور طبيعي لمسيرتك المهنية، ويبدأ من تحسين مهاراتك باستمرار، والتركيز في تخصصٍ دقيق، حتى تصل إلى مرحلة تقدم فيها نفسك بهذا المسمى وأنت واثق من قدرتك على قيادة التغيير.
تم النشر في: أبريل 2025
تحت تصنيف: العمل الحر | نصائح للمستقلين