هذا هو السباق المعتاد بين فريقين مختلفين في عالم إطلاق المنتجات. الفريق الأول يتبنى قاعدة “الانطباع الأول يدوم” ولهذا يحب بذل الكثير من الجهد في الشكل والتصميم الذي سيكون عليه الموقع لحظة الإطلاق. الفريق الثاني يتبنى نظرية “افعلها كما فعلها العظماء” إشارةً إلى المواقع الضخمة على الإنترنت مثل لنكدإن LinkedIn، ياهوو Yahoo، وجوجل Google، الذين بدأوا بمواقع شديدة البساطة، ولكنها توضح الفكرة العامة للمشروع، وكيف هي خدمته المستخدم.
هذا المقال سيناقش هذين المفهومين: الإبهار في النسخة الأولى (مقابل) السرعة في إطلاق المشروع.
الأقل هو الأكثر، أقل ولكنه أفضل. كثيرا ما نسمع هذه الكلمات عن تصاميم منتجات جيّدة، لكن ماذا يقصد بها؟
“السهل قد يعني الأسرع، قد يكون الأكثر وضوحا، السهل قد يعني الكثير من الأشياء. لكن الجزء الذي أحبه في ذلك هو أن تأخذ مشكلة موجودة وتقوم بدراستها حتى تصبح واضحة، تُبعد كل شيء يجعلها ضبابية، وتقوم بتلميع ما تبقى” Jason Friend، مؤسس Basecamp. قد تربح البساطة هذا السباق، إذا كان الأمر لا يتعلق بالمظاهر بشكل كبير، بقدر تلبية حاجة معينة لدى جمهور مستهدف.
في عالمنا اليوم، التعقيد هو أكبر عدو، الكثير من المنتجات لديها تكنولوجيا متطورة والكثير من الميزات لكنّها لا تنجوا. في كلّ مرة نتأكد أنّ المنتجات الأبسط هي التي تنجح في النهاية.
Dropbox
عندما بدأت خدمة مشاركة الملفات Dropbox، كان هنالك الكثير من الخدمات المشابهة. مؤسس دروبوكسدرو هيوستن Drew Houston كان يعرف أنّه لن يستطيع التفوق على منافسين متواجدين بقوة من خلال عدد الميزات التي يتيحها. بدلا من ذلك ركّزت دروبوكس على المزايا التي تجعل مشاركة الملفات أسهل.
قال هوستون في ذلك الوقت أن المنافسين كانوا يعانون مع مشاكل زمن استجابة الإنترنت لرفع الملفات، حجم الملفات الكبيرة.. وهنا استطاع تقديم منتجه ليحاول حلّ مشكلة موجودة.
حققت دروبوكس 200 مليون مستخدم لاحقا، وأصبحت واحدة من الشركات المهيمنة في مجال رفع ومشاركة الملفات. ما حققّ هذا النجاح ليس عدد الميزات التي توفّرها دروبوكس، بل ركّزت فقط على بعض الميزات وقدّمتها بالشكل الصحيح، واستمدت نجاحها من البساطة والتركيز على حل مشكلة يعاني منها المستخدم.
كيف تستخدم “المنتج الفعال القاعدي” لتقديم حلّ لمشكلة ما
إذا بدأت تفكر في تنفيذ فكرة مشروعك، فيجب أن يكون هدفك الأول إثبات أنّ منتجك الذي تريد بناؤه يحل مشكلة ما. العديد من المنتجات لا تحل أية مشكلة لأي أحد، قد يكون للمنتج العديد من المميزات الرائعة، لكنها ميزات فقط لا يمكن أن تساعد على البحث عن حل لمشكلة.
“أن تقدّم شيئا يريده الناس، هذا هو المشكل الأساسي. إذا وافتك المنية، فمن المحتمل أنّه بسبب عدم تقديمك لشيء يريده الناس” Paul Graham، ممول وشريك مؤسس لشركة Y-Combinator.
النسخة الأولى من المنتج غالبا ما تعرف بـ Minimum Viable Product أو اختصارًا MVP، “جوهر المنتج” قد يكون أقرب تعريف معرب لهذا المبدأ. أو بمعنى آخر أن المنتج يحتوي فقط على الميزات الأساسية اللازمة لجعله يعمل، يمكن أن يكون موقعا إلكترونيا أو تطبيقا.مهما كان عمله يبقى بسيطا.
عبارة “المنتج الفعال القاعدي” أو MVP تم ترويجها عندما أشير إليها كجزء من منهجية Lean Startup، هذه المنهجية تهدف إلى التخلّص من الضياع عند بناء عمل ما، و”المنتج الفعال القاعدي” يمثل الحد الأدنى من هدر الموارد في العمل، لتوفير الوقت والمال، لكنه ليس عذرا لبناء منتج رديء. يتطلب الأمر في البداية أن تعمل على العناصر الأساسية فقط لاختبار منتجك والتأكد من أن الناس يريدونه، إذا كانت الأمور تسير بشكل جيّد بإمكانك أن تحقّق التقدّم تدريجيا للوصول إلى الصورة التي تتطلّع إليها.
من المهمّ أن تسأل نفسك “ما الذي يمكنني فعله لجعل المنتج يعمل وأثبت أنّه يحل مشكلة ما؟”. التفكير بهذه الطريقة يمكن أن يساعدك على تفادي تضييع الوقت في بناء أشياء ذات أولوية منخفضة من البداية.
أهمية إطلاق مشروعك في وقت مبكر
- من المهم إطلاق مشروعك في وقت مبكر.
- من المهم ترك انطباع أول رائع لدى جمهورك.
وجهتي نظر متضاربة، أي واحدة منهما يمكن اعتبارها الأصح؟
لا يمكن تطبيق وجهتي النظر السابقتين على كل الحالات، مستوى التصميم الذي يتطلبه مشروعك يمكن أن يكون مختلفا عما هو مطلوب بالنسبة لمنتج آخر لعدة عوامل، أهمها اختلاف المرحلة التي يكون فيها المنتج وميزته التنافسية.
ألق نظرة على النسخة الأولى من موقع التواصل الاجتماعي LinkedIn
الحكم على هذه النسخة القديمة، يجعلنا نعتقد أن لينكد إن كان عليها العمل أكثر قبل إطلاق موقعها. ومع ذلك قرر المؤسسون أن ما فعلوه كان كافيا وأنّ الحصول على معلومات من الإطلاق بشكل مبكر أهم من إغلاق الباب والعمل أكثر على منتجهم الأولي.لم يرغب مؤسسو المشروع في الانتظار أكثر لإطلاقه ومعرفة إن كان مفيدا فعلا، لأن الشبكات الاجتماعية في ذلك الوقت كانت في بدايتها، والكثير من الأشياء كانت غير معروفة وهم كانوا بحاجة إلى اختبار الكثير من الفرضيات في أقرب وقت ممكن.
Reid Hoffman أحد مؤسسي لينكد إن، يعرف أن التحرك بشكل سريع أهم من تصميم شيء استثنائي من أول نسخة للموقع.
إذا لم تكن محرجا من النسخة الأولى لمنتجك، فهذا يعني أنك قد أطلقتها متأخرا جدّا – Reid Hoffman، مؤسس شريك، لينكد إن.
قد يبدو كلّ شيء رائعا على الورق وأنت تكتب خطة عملك، لكن من المهم معرفة كيف سيتفاعل عملاؤك مع الأمر كمنتج حقيقي. وهذه هي الفائدة الأساسية من إطلاق مشروعك بشكل مبكّر. لتتمكّن من التعرف على الأخطاء من خلال المستخدمين الذين لديهم اهتمام فعلي بمنتجك.
أهمية الانطباع الأول
في أغسطس 2012 أجرت غوغل دراسة تبيّن أن المستخدمين يحكمون على جمالية المواقع في جزء من الثانية. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تقييم المواقع البسيطة على أنّها الأجمل مقارنة بالمواقع الأكثر تعقيدا “بصريا”. مبدأ “الأقل هو الأكثر”، “أقل ولكنه أفضل”، تتحقّق في هذه الحالة بشكل جيّد لأن أدمغتنا تفضّل الأبسط.
تصميم المنتج الخاص بك له تأثير فوري على المستخدم لاختيار البقاء أو المغادرة
قضى الطبيب النفسي Kevin Larson مسيرته المهنية في البحث عن تأثير الخطوط والتصاميم على عواطفنا.
أجرى لارسون دراسة بمساعدة 20 متطوعا نصفهم من جنس الذكور والنصف الآخر إناث، وقام بتقسيمهم إلى مجموعتين، كل مجموعة تم إعطاؤها نسخة مختلفة عن المجموعة الأخرى من مجلة The New Yorker، يكمن الاختلاف بين النسختين في مكان وضع الصورة، الخط، تصميم جيد وآخر ضعيف.
توصل لارسون إلى أن قراء النسخة ذات التصميم السيئ كان شعورهم سيئا، أمّا الذين قرأوا النسخة المصمّمة بشكل جيّد فكان شعورهم جيّدا، واعتقدوا أنّ القراءة قد استغرقت منهم وقتا أقل.
خلص لارسون من دراسته إلى أن التصميم الجيّد يمنحنا شعورا جيّدا، ممّا يرفع احتمالية أن يقوم المستخدم بعملية شراء أو طلب لمنتجك والتفاعل معه.عندما يترك تصميمك انطباعا جيّدا فهي طريقة رائعة للحفاظ على زبائنك وجعلهم يعودون باستمرار إليك، وسيرغبون في مشاركة تجربتهم مع الآخرين.
الحصول على تأثير جيّد يعني الحصول على المزيد من المال. لهذا السبب يلعب التصميم دورًا محوريًا في نجاح مشروعك.
كيف توازن بين جودة المنتج والإطلاق المبكر؟
إذا كان من المهم إطلاق مشروعك بشكل مبكر وتقديم تصميم جيّد على حد سواء، فكيف تحدد مستوى التصميم الذي ستقدمه؟
“التصميم ليس ما يبدو عليه منتجك فقط، بل هو كيف سيعمل” ستيف جوبز.
ريان سنجر Ryan Singerيعمل كمصمم لدى شركة Basecamp، وهي شركة برمجيات تضم أكثر من 285 ألف عميل. ريان قام بمشاركة كيف يوازن بين الميزات والتنفيذ المبكر.
“اختيار مجموعة من الميزات لبنائها هو شيء، واختيار مستوى تنفيذها هو شيء آخر. يمكنك أن تقرر اختيار أو عدم اختيار إضافة ميزة مثل – إعادة تعيين كلمة المرور – لكن إذا قررت أن تفعل ذلك فيجب أن ترقى إلى مستوى أساسي من التنفيذ يخدم التجربة”يقول سنجر.
لتحقيق التوازن بين جودة المنتج والبدء في وقت مبكر، يوصي سنجر باتخاذ هذه الخطوات:
- ابدأ بترتيب ميزات منتجك على شكل قائمة.
- حدد أولوية الميزات بناء على أجوبة الأسئلة التالية:
- ما قيمة هذه الميزة من وجهة نظر عميل يبحث عن حل لمشكلة؟
- ما أهمية هذه الميزة، هل من الجيد إضافتها أو يجب إضافتها؟
- ما هي الجودة المطلوبة لهذه الميزة لأستطيع القول “انتهيت”؟
كلّ الميزات التي ستختارها للعمل عليها، يجب أن تلبي معيار الجودة الأساسي، يضيف ريان سنجر: “الميزات قد تكون مختلفة بتعقيد أكثر أو أقل، لكن جودة التجربة يجب أن تكون ثابتة بالنسبة لكلّ الميزات، وهذا ما سيُكسبك ثقة عملائك”.
في حال كانت لديك الكثير من الخيارات قد يؤثر ذلك عليك بشكل سلبي ويجعلك مشتتًا بشكل مبالغ فيه، فاعلم الكثير من الخيارات قد تنتهي باختيار الأسوأ أو عدم الاختيار على الإطلاق. لذلك التوضيحات السابقة نأمل أن تكون قد ساعدتك بالشكل الكافي في طريقك لإطلاق مشروعك أو تطويره.
إذا أردنا استخلاص مفهوم مؤكد من هذه المقارنة، سنجد أن مدرسة البساطة تفوز دائمًا. ما يهم لأي مشروع ناشئ -كما وضحنا في المقال السابق من هذه السلسلة- أن يتم التنفيذ. أن يتم الإطلاق، والبدء، حتى يتم تدارك التعديلات التي يتطلبها المنتج. وكلما كان مبكرًا، كلما كان أفضل بالطبع.
بالقائمة السابقة، يمكنك تعيين ما إذا كنت مستعدًا للإطلاق الآن، أم أنك بحاجة إلى ضبط مؤشر جودة منتجك قبل الإطلاق. الأدوات معك الآن، وكل ما عليك فعله هو التطبيق.
الكاتب: عبد الجبار دبوشة
تم النشر في: فبراير 2018
تحت تصنيف: ريادة أعمال | مشاريع ناشئة
شكرا، مواضيعكم دائما محفزة ومفيدة كالعادة
هذا المقال الرائع أتى في وقته تماما، شكرا لكم جزيلا.. أنا أيضا من أنصار البساطة في البداية، وحتى فيما بعد، فالبساطة شيء جميل وأساسي في حياتي